كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في حفل عشاء "إرادة" في فندق فينيسيا
الخميس، ٢٦ كانون الثاني، ٢٠٢٣
أيها الحفل الكريم
في الظروف الاستثنائية التي يعيشها وطننا، فإن وجودنا هنا اليوم هو تعبير طبيعي عن إرادة الحياة. فأمام كل التحديات في الخارج سألني البعض هل يعقل أن يعقد هكذا حفل كريم بوجود وجوه كريمة، بدعوة من "إرادة" فكان جوابي أنها إرادة الحياة عند اللبنانيين.
مرت عشر سنوات على تأسيس "إرادة" ودعاؤنا جميعاً أن تكون السنوات المقبلة تعبيراً عن الإيمان والعزم في بناء الذات وإنهاض المجتمع وتطوير طاقاته، وتعزيز الشراكة والتعاون مع سائر مؤسسات القطاع الخاص ومع القطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني، ونسج تواصل حقيقي وفاعل بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر.
وإذ تحتفلون اليوم بإنهاء عقدكم الأول من العمل والعطاء المميز في ظروف بالغة الدقة والصعوبة، فإنكم مدعوون أيضاً الى أن تجعلوا من هذه المناسبة انطلاقة عقد جديد مفعم بالأمل والرجاء والاستشراف والتخطيط للسنوات المقبلة ومحاكاة ما تتطلع إليه الأجيال الصاعدة.
كذلك فالمطلوب التبصّر بآفاق الإنتاج الجديدة والمساهمة في بناء اقتصاد وطني جديد يحترم قواعد الانتظام العام بعيداً عن اجتهادات الظروف الاستثنائية غير الطبيعية والتي تحولت الى ثقافة وطنية شائعة بات فيها تجاوز القواعد والقوانين هو القاعدة، واحترام قواعد الانتظام العام هو الاستثناء.
أيها الحفل الكريم
أجدد التأكيد أن قدرنا هو العيش معاً مهما تباعدت المواقف السياسية وتباينت الآراء حيال ما هو حاصل وما هو مطلوب.
لا إرادة تعلو على العيش الواحد وحماية بعضنا البعض والتلاقي على رؤية مشتركة تأخذ في الاعتبار هواجس الجميع وآراءهم وتعالجها بمنطق الوحدة والشراكة الحقيقية.
الانتقادات كثيرة ومن كل حدب وصوب، سواء كانت انتقادات شخصية أو متعلقة بأداء الحكومة. فكيف نستطيع أن نعمل والبعض يراهن على الفشل، بدل أن نتوافق جميعاً وتتشابك الأيادي من أجل إنقاذ البلد الذي هو مسؤوليتنا جميعاً.
اليوم نحن نقوم بتسيير الأعمال بحدها الأدنى، لكي يبقى، ما بقي، من هذه الدولة. وكل جلسة لمجلس الوزراء تحتاج الى ولادة قيصرية.
خلال وجود فخامة الرئيس التزمت بعدم عقد جلسات لمجلس الوزراء كون الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال، ولكن في غياب رئيس الجمهورية ومرحلة الشغور الرئاسي، فنحن نضطر أحياناً لعقد جلسات لمجلس الوزراء لتسيير الأمور.
عقدنا حتى الآن جلستين لمجلس الوزراء، ونحن بحاجة كل يوم لعقد جلسة، فالموازنة العامة التي تناهز 900 مليون دولار تتطلب نقل اعتمادات ولا يمكن إصدار المراسيم الخاصة بذلك إلا من خلال مجلس الوزراء.
في المقابل نسمع تكرار الانتقادات والحديث عن صوابية عقد الجلسات أو عدمه، وعن ميثاقيتها ودستوريتها. فهل الوقت ملائم لهذا السجال؟ أليس الأفضل أن نقوم بما يمكن القيام به من أجل إنقاذ هذا الوطن؟
الوضع صعب ومتردي، ويحتاج الى المعالجة، وكما عقدنا جلستين لمجلس الوزراء، سأستمر في دعوة مجلس الوزراء للإنعقاد للأمور الطارئة، وهذا واجبنا، من أجل بت الأوضاع الصحية والمعيشية والبيئية والأكثر أهمية هو الملف التربوي الذي سيكون في مقدمة جدول أعمال مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، بإذن الله.
والى الوضع الاقتصادي الصعب شهدنا في اليومين السابقين إنقسامات في الجسم القضائي، هذا الأمر ينذر بتداعيات خطيرة إذا لم يعمل أهل الشأن أنفسهم على حلّ هذه المعضلة بحكمة، بعيداً عن السجالات السياسية والحملات المتبادلة التي تتسبب بالمزيد من الوهن القضائي ومن انعدام الثقة بالقضاء من قبل الغالبية الساحقة من اللبنانيين. نحن بحاجة الى قضاء سليم وإنني على ثقة بأن مجلس القضاء الأعلى سيكون بالمرصاد لهذا الموضوع وسيتخذ القرارات المناسبة من أجل وحدة القضاء وحسن سير العدالة.
كلمة أخيرة لعاصمتنا الحبيبة التي احتضنتنا جميعاً.
بيروت ستبقى مدينة متجددة متألقة بإرادة أبنائها ومواطنيها من كل لبنان، وستبقى منارة للحرية والديموقراطية وتداول السلطة واحترام الاستحقاقات الدستورية.
بيروت ستتجاوز كل عمليات التعطيل والجمود والتهميش، وستبقى عنوان الإرادة الوطنية الجامعة، إرادة العمل والنهوض والتقدم والازدهار والعيش بسلام.
وكما تغلبت بيروت على دمار السنوات الطوال واستعادت وهجها وتألقها، فإنها ستبقى قادرة على تجاوز تراكمات هذه السنوات العجاف.
ختاماً،
إن لبنان مقبل، بإذن الله، على آفاق جديدة، والإشارة الأولى تبقى في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فهل نحن مَنْ يعطّل انتخاب رئيس الجمهورية؟ هل الحكومة تعطل انتخاب الرئيس؟ هل نحن اليوم في وارد أن نأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية؟ نسمع البعض يقول إننا نأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية. والجواب البديهي، إذا كنا في مرحلة شغور رئاسي ولا يوجد رئيس للجمهورية، فكيف سنأخذ صلاحياته. كل هذه المزاعم لا معنى لها، وعلى المجلس النيابي الكريم وأعضائه جميعاً أن يكونوا دائماً في مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن. ومن هنا يبدأ الغيث بإذن الله، وهذا الرئيس يحتاج الى إرادات صادقة وفاعلة ومتخصصة ومتطورة تحيط به. وإننا فخورون بتجربتكم وبتعاونكم ومتابعتنا المشتركة لكل الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وأكرر تهنئتي لكم على ما تقومون به والله ولي التوفيق.