كلمة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمناسبة عيد الجيش من اليرزة
الجمعة، ٠٢ آب، ٢٠٢٤
العماد قائد الجيش،
أيها الضباط،
للسنةِ الثانيةِ على التوالي، يغيبُ الاحتفالُ التقليديّ في الأولِ من آب، ويفتقدُ الملعبُ الأخضرُ في ثكنة شكري غانم في الفياضية، رئيسَ البلادِ محاطاً بأركانِ الدولة، وهو يسلّمُ السيوفَ للضباطِ المتخرجين الذينَ تصدحُ أصواتُهم وهم يُقسمونَ يمينَ الذودِ عنِ الوطن. انَّ هذا الشغورَالرئاسيَّ لا ينغِّصُ وحدَهُ فرحةَ هذه المناسبةِ الوطنيّة، بل كذلكَ الظروفَ الأمنيةَ التي يعيشُها لبنان، من جنوبِهِ الى بقاعِهِ، وصولاً بالأمس الى الضاحيةِ الجنوبيةِ للعاصمة، وذلكَ نتيجةَ العدوانِ الإسرائيليّ المستمر على سيادةِ لبنان وسلامةِ أراضيه، فضلاً عن الضائقةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ التي يعاني منها اللبنانيونَ عموماً، والعسكريونَ خصوصاً. وتضافُ الى كلِّ ذلكَ، تطوراتٌ اقليميةٌ مقلقة تنذرُ بارتفاعِ منسوبِ الخطرِ واتّساعهِ من منطقةٍ الى أخرى.
الا انهُ رغمَ كلِّ ذلك، اردتُ ان أكونَ معكم اليومَ، ليسَ لاهنّئكُم بالعيد وأحيّي تضحياتَكم وبسالتَكم فحسب، بل لاؤكدَ لكم، ومن خلالكُم لجميعِ اللبنانيين، انَّ الرهانَ عليكم، ضباطاً ورتباءَ وافراداً، يبقى الضمانةَ الاكيدةَ لوحدةِ لبنان، ارضاً وشعباً ومؤسسات، ما يجعلُ الالتفافَ حولَ مؤسستِكم واجباً وطنياً جامعاً تسقطُ امامَهُ كلُّ الرهاناتِ والمصالح، سياسيةً كانت أم شخصيّة، لانَّ الشهاداتِ التي قدمتموها على مذبحِ الوطن، لم تكن يوماً الا في سبيلِ رفعتِهِ وسيادتِهِ وسلامتِه.
العماد قائد الجيش،
أيها الضباط،
اذا كانت مساهمتَكم في النهوضِ بلبنان من جديد كبيرةً واساسيّة، الا انها تحتاجُ الى مواكبةٍ مباشرةٍ وفاعلة منَ المؤسساتِ الدستورية. من هنا أجدِّد التأكيدَ، اليومَ بالذات، على ضرورةِ انتخابِ رئيسٍ للجمهورية، داعياً السادة النواب الى تحمّلِ مسؤولياتِهم وتجاوزِ التباينات في مواقفهم، والتشاورِ في ما بينَهم من خلالِ حوارٍ صادقٍ وصريحٍ ومتكافىء، يؤدي حتماً الى اختيارِ مَن يرونَهُ مناسباً لقيادةِ مسيرةِ إعادةِ الحياةِ الى الوطن، فالرئيسُ هو رمزُ وحدتِهِ والساهرُ على احترامِ دستورهِ والمحافظةِ على استقلالِه.
صحيحٌ أن الحكومةَ التي أَرأسُها عملَتْ ولا تزالُ تعمل استنادا الى الصلاحياتِ التي مَنحًها إياها الدستور، لايجادِ حلولٍ آنيةٍ للمشاكلِ المطروحة، بالتعاونِ مع مجلسِ النواب، رئيساً وأعضاء، الا انَّ الحاجةَ ملحّة الى إصلاحاتٍجذريّة والى حلولٍ مستدامة لا يمكنُ ان تتوافرَ الا مع رئيسٍ للدولة يسهرُ على حمايةِ النظامِ الذي ارتضاهُ اللبنانيونَ والقائمِ على مبدأ الفصلِ بين السلطاتِ وتوازنِها وتعاونِها، والمرتكز الى ثوابت حدَّدَتها وثيقةُ الوفاقِ الوطنيِّ اللبنانيّ التي أُقرّتْ في اتفاقِ الطائف.
العماد قائد الجيش،
أيها الضباط،
في الوقتِ الذي نلتقي فيهِ اليوم، لا يزالُ أهلُنا في الجنوبِ والبقاع وبالامس في الضاحيةِ الجنوبية لبيروت، يواجهونَ اعتداءاتٍ إسرائيليةٍ أوقعتْ مئاتِ الشهداءِ والجرحى مواطنينَ وعسكريينَ ومقاومين، وهجّرتْ عائلاتٍ خسرت منازلَها وأُحرقَت ممتلكاتُها، ولا شيءَ يدلُّ على انَّ الغطرسةَ الإسرائيلية ستقفُ عند حدّ.
إننا، في مواجهةِ التصعيدِ الإسرائيليّ الممنهجِ والخطير والذي شهدنا فصولاً داميةً منهُ خلالَ الساعاتِ القليلةِ الماضية، لا يسعُنا سوى التأكيدُ على حقّنا في الدفاعِ عن ارضِنا وسيادتِنا وكرامتِنا بكلِّ الوسائلِ المتاحة، ولا تردُّدَ في هذا الخيار مهما غلتِ التضحيات، علماً أننا أَبلَغنا الدولَ الشقيقةَ والصديقةَ انّنا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، لأننا نسعى الى استقرارٍ دائم ٍمن خلال استرجاع الأجزاءَ المحتلةَ مِن جنوبِنا الغالي، والتزامِ العدوِّ الإسرائيليّ تطبيقَ قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 بكلِّ بنودِه، ولن تنفعَكلُّ الاعتداءاتِ الإسرائيلية عن ثَنيِنا عن ذلك. لقد رحَّبنا، ولا نزالُ نرحِّب، بأيِّ مبادرةٍ تحقِّقُ ما نريدُهُ مِن استعادةٍ لما تبقّى مِن ارضِنا المحتلّة، وتعزيزِ انتشارِ الجيشِ عليها بالتعاونِ مع القواتِ الدولية، لمنعِ أيّ انتهاكٍ لحدودِنا المعترف بها دولياً، كي ينعمَ أهلُنا في الجنوب بالاستقرارِ والأمان، لا سيما وأنهم قدّموا التضحيات مِن اجلِ تحريرِالأرض. كذلك، فإنّ استثمارَ ثرواتِنا في مياهِنا، حقٌّ لا جدالَ فيه ولا مساومةَ عليه.
العماد قائد الجيش،
أيها الضباط،
عيدُ الجيش ليسَ عيدَكم وحدَكم، بل هو عيدُ جميعِ اللبنانيين الذينَ يرونَ فيكم الاملَ والمرتجى. استمروا في تحمّلِ الصعابِ على تنوّعها، والتزموا بالقوانين، وتجاوزوا كلَّ ما يسيءُ اليكم، وضعوا نصبَ اعينكُم شعارَكم المثلّث: شرف تضحية وفاء، وجسّدوهُ بالفعلِ لا بالقولِ فقط، والسلطةُ السياسيةُ ملتزمةٌ تأمينَ حقوقِكم كاملةً لتطمئنّوا معَ عائلاتِكم الى حاضرِكم ومستقبلِكم.
وفي هذه المناسبة فانني احيي العماد قائد الجيش ورعايته الابوية لشؤون المؤسسة العسكرية ومطالبها واندفاعه في حمايتها والذود عن كرامة عسكرييها.
عشتم،
عاش الجيش،
عاش لبنان.