قصة اليوم الأخير في (السراي الكبير)
بقلم فؤاد دعبول (الأنوار 4/7/2005)
كيف أمضى الرئيس نجيب ميقاتي يومه الأخير، كرئيس لمجلس الوزراء؟
أولا، لقد حضر باكراً كعادته الى السراي، وقبل أن يبدأ اجتماعاته ومواعيده المقررة، اتصل بصديق تشوب علاقاتهما مسحة عتاب تحوّل خلال شهر، الى نوع من (القطيعة) السياسية، وبادره: انني بانتظاركم الى غداء مصارحة في السراي الكبير. عند الساعة الواحدة والنصف.
وقصة اليوم الأخير في السراي الكبير، قصة طريفة فقد بادر رئيس الحكومة (صديقه السابق) على كلام منسوب اليه، ويتّهم فيه رئيس حكومة الانتخابات، بأنه رئيس حكومة خيبة الأمل، وبأنه لا يقيم وزناً للصداقات.
وردّ الصديق الزائر، بأنه دعا الأصدقاء جميعاً من (جماعة الشلّة) المواكبة له، عند تعيينه وزيراً للمرة الأولى، في حكومة الرئيس الدكتور سليم الحص، الى حفل تكريم رئيس وزراء تركيا أردوغان لدى زيارته لبيروت، وانه استثناه من دعوة وجّهت الى (رفاق الصف).
وعندما استفسر الرئيس ميقاتي عن الموضوع، تبيّن بأن زائره بناء على دعوته، لم يكن مدعواً... فاعترف له بأن الحق معه في هذه المسألة.
وقال الرئيس ميقاتي عن (حكومة الخيبة) كلاماً يتّسع فيه الأطناب والوفاق لمن رافقوه في مشوار أول انتخابات حرّة نزيهة في لبنان.
وأردف: تقولون أن معظمهم أصدقائي أو موظفون عندي أو عند فخامته في القصر الجمهوري، وهذا كلام يتّصف بنصف الحقيقة لا بالحقيقة كلها، والوزير طارق متري وزير اذا قلنا عنه انه (ممتاز)، نكون قد ظلمناه لأنه أفضل من لفظة (ممتاز).
والوزير دميانوس قطّار كان يعمل في العام 2000 في القصر الجمهوري، وعندما ترك عمله هناك اجتذبته للعمل في مؤسساتنا، وهو أيضا أكثر من ممتاز.
ونظر الى صديقه القديم: هل كنت تريدني أن أؤلف حكومتي الأولى، من دون ان أشرك فيها من لا أعرفهم، ولا أثق بكفاياتهم.
وأطرق هنيهة ثم أضاف: المهم اننا عملنا انتخابات نزيهة وحرّة ولا شائبة فيها إلاّ ان سقوط الوزير سليمان فرنجيه الذي تشدّني اليه صداقة عميقة وتحالف تاريخي وعلاقات وطيدة.
وسأله صديق، هل (بعت) النيابة بـ(شهر انتخابات)؟
وضحك الرئيس ميقاتي وأوضح: أنت من الذين يقولون ان شقيقي طه يعمل على اعادتي الى رئاسة الحكومة، وأنا أريد ان أقول لكم، انني على وشك تسليم (كتلة النار) الى من ترشحه الاستشارات النيابية لترؤس الحكومة المقبلة، وقد يكون على ما أعتقد الصديق العزيز الوزير فؤاد السنيورة.
(يا جماعة صدّقوني، رئاسة الحكومة كانت (حلمي الكبير) وأنا حققت هذا الحلم، واكتشفت انها (كرة نار) وأريد أن أتحرّر منها).
وسئل: هل (طلّقت) السياسة؟
وردّ: أعوذ بالله، أنا فخور أن يقال اليوم ويقال غداً أن نجيب ميقاتي كان رئيس أفضل حكومة أجرت أفضل انتخابات، ليس بين وزرائها مرشحون للانتخابات، وليس بين أعضائها وزراء (استعملوا) عواطفهم الانتخابية، صحيح ان بينهم من عمل وزيرا للمرة الأولى، لكنهم تركوا ماضياً ناصعاً للمستقبل.
واعترف ميقاتي بأنه يودّ العمل في اطار حركة سياسية مؤسساتية على الصعيد اللبناني، وأنا كنت من رواد فصل النيابة عن الوزارة، ومن دعاة العمل المؤسساتي، لأن الجهد الفردي، يبقى محصوراً في الاطار الشخصي.
ونظر الى زائره: قم لننزل الى غرفة قريبة، نأكل معاً آخر (لقمة طرابلسية) في السراي الكبير، لأن الشيء الوحيد الذي أعتزّ به، انني طلبت الطعام من (مطعم طرابلسي).
كان هذا قبل 24 ساعة، من الاستشارات التي أعطت فؤاد السنيورة 126 صوتا، وجعلت ابن صيدا، يتفوّق على ابن طرابلس، وهذه هي ميزة يتحلّى بها القادمون من الأطراف الى العاصمة لحكم لبنان.

