كلمة لبنان في قمة دول أميركا الجنوبية والدول العربية
الأربعاء، ١١ أيار، ٢٠٠٥
كلمة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في قمة البرازيل (القادة العرب مع رؤساء دول أميركا الجنوبية)
فخامة رئيس جمهورية البرازيل الفدرالية لويس ايناسيو لولا داسيلفا،
فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد العزيزبوتفليقة – رئيس دورة جامعة الدول العربية على مستوى القمة،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والدولة،
حضرات السيدات والسادة،
إنه لشرف كبير لي أن أشارك والوفد المرافق في هذه القمة المهمة، بل التاريخية، التي تجمع للمرة الأولى القادة العرب مع رؤساء دول أميركا الجنوبية.
إنه إنجاز كبير، ولا بد لي أن أشكر جمهورية البرازيل الفدرالية الصديقة ورئيسها السيد لويس ايناسيو لولا داسيلفا على الجهد الكبير في المبادرة والتحضير لهذه القمة، وكذلك على حسن الاستقبال والتنظيم. كما أنقل لكم تحيات فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد اميل لحود وتمنياته للقائنا هذا بالنجاح والتوفيق.
ولمناسبة وجودنا في البرازيل لا بد من أن أشيد بالعلاقات الممتازة التي تجمع بلدي لبنان بجمهورية البرازيل الفدرالية، ولا تزال نتائج وأصداء الزيارة التاريخية التي قام بها فخامة الرئيس لولا داسيلفا إلى لبنان في كانون الأول 2003 وكذلك زيارة فخامة الرئيس أميل لحود الى البرازيل في شباط 2004 ، ماثلة في تعزيز أواصر التعاون والصداقة بين بلدينا.
وها هي جهودكم، يا فخامة الرئيس، تثمر في عقد قمتنا هذه، التي أطلقتم التحضير لها بالتعاون مع رؤساء دول أميركا الجنوبية والقادة العرب، وهي تعتبر من أهم انجازات العلاقات العربية- الجنوب أميركية. فشكرا لكم يا فخامة الرئيس وشكرا لبلدكم الصديق.
أيها السادة،
يعتبر لبنان نفسه معنيا بصورة خاصة بقمتنا هذه، ونحن نشعر أننا نأتي إلى اميركا الجنوبية لملاقاة أنفسنا. ففي بلادكم المعطاءة مواطنون تتحدر أصولهم من سفوح جبالنا، وسهولنا ومدننا وقرانا، أتوا إليكم فوجدوا بلادا خيرة استقبلتهم بالترحاب فأصبحوا، ومن بعدهم أولادهم وأحفادهم، جزءا لا يتجزأ منها. ونحن، مع شعورنا بالفخر بهم وبالاعتزاز بولائهم لبلدانكم، ومع تذكرهم دائما لوطنهم الأم، انما نعتبرهم صلة قائمة ومتجذرة بيننا وبينكم. فهم باتوا منذ عشرات السنين جسرا يجمع ما أتوا به من عندنا وما اكتسبتوه من عندكم. وها نحن جئنا لنكرس هذه العلاقة الخاصة بين دولنا العربية وبين قارتكم الاميركية الجنوبية.
ان ما يجمعنا بكم كثير ، ففي عالم تكثر فيه التحديات سواء في السياسة والاقتصاد أو الثقافة، تتطلع المجموعات الجغرافية والسياسبة الى بعضها للتعاون والتنسيق، والمساحة الجغرافية الشاسعة التي تفصل منطقتنا عن منطقتكم، والتي لم تمنع أجدادنا من التلاقي فيما مضى، تضاءلت اليوم وباتت مشكلاتنا وتحدياتنا واحدة، وباتت ثقافاتنا على تماس يومي مما يحتم علينا أن نضع رؤية مشتركة لقضايا العالم الذي نعيش فيه.
أيها السادة،
إن المنطقتين اللتين ننتمي اليهما تتميزان بالتكامل والامكانات الكبيرة التي يجب أن نشجع على الاستفادة منها. فالقطاع الخاص الحيوي والنشيط في كلا المنطقتين، لا بد أنه يبحث عن اسواق جديدة ناشئة للاستثمار فيها. وقد جعل تشبع الاسواق التقليدية للاستثمار من دولنا ودولكم مقصدا استثماريا مغريا لرجال الاعمال من الجانبين وهذا ما يوجب علينا أن نهتم بوضع الاطار الصالح من الاتفاقات الثنائية التي تسهل هذا التبادل. كذلك تزخر مناطقنا بالمواد الاولية ومصادر الطاقة وبالعنصر البشري الكفوء، مما يؤهلنا لأن نضع خطة مشتركة للاستفادة منها ولتبادل الخبرات في هذا المجال.
إن العولمة بما تعني من تطور هائل ومتسارع للوسائل الاقتصادية والمالية ولقطاع الاتصالات وانتقال المعلومات، وما تؤدي اليه من انعكاسات سياسية وثقافية، هي ظاهرة قد تحتوي امكانات وفرصا هائلة اذا ما أحسن توظفيها في خدمة الشعوب واحترام حقوقها وحاجاتها وخصوصياتها، غير أنها في الوقت ذاته قد تحمل محاذير ليس أقلها أن تجعل أكثرية شعوب الأرض في موقع المتلقي السلبي والمستهلك غير الشريك، للسلع والمعلومات وكذلك للسياسات والأفكار.
أيها السادة،
إن إيجاد حل عادل وشامل وبالتالي دائم لازمة الشرق الأوسط بات ملحا، وذلك وفقا للشرعية الدولية وقراراتها لاسيما القراران 242 و 338 ، وكذلك قرار الجمعية العمومية الرقم 194 الذي يضمن حق العودة للاجئين الفلسطنيين، وفقا لصيغة مدريد ولمبدأ الأرض في مقابل السلام، وهذا ما تضمنته مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 باجماع الدول العربية، تلك المبادرة التي تؤمن الطريق الواقعي والجدي والعملي الذي يضمن حقوق الاطراف جميعها بالسلام والأمن. ونشكر لكم تضامنكم معنا في هذا المجال وتضمين مشروع بياننا الختامي الدعوة لمثل هذا الحل.
إن لبنان، ذلك البلد المحب للسلام والذي قال عنه قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني أنه "أكثر من وطن بل هو رسالة" ، هو رسالة تحتذي في عالم اليوم الذي نريده قائما على التفاهم والتعايش والحوار واحترام الآخر. مر بلدي بليل طويل أدى إلى ما أدى إليه من دمار وخراب وخسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، وقد تداعت الدول العربية والمجمتع الدولي عام 1989 الى تأييد اتفاق الطائف، بعدما اعتمده النواب اللبنانيون. والذي وضع حدا لحرب مدمرة كان بين نتائجها دين باهظ الكلفة ما زال يضغط على الاقتصاد اللبناني.
ويجمع اللبنانيون اليوم على استكمال تنفيذ الاتفاق بعد تنفيذ اجزاء منه كان آخرها ما نفذ بالتلاقي مع قرار مجلس الامن الدولي 1559. وقد تعرض لبنان في الفترة القريبة السابقة لزلزال كبير أثر على استقراره، وذلك بالجريمة الارهابية التي اودت بحياة رئيس الحكومة الاسبق الشهيد رفيق الحريري.
أن حكومتنا التي نفذت وستنفذ ما تعهدت به أمام مواطنيها، سوف تواكب بعزم التحقيق المحلي والدولي باغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وفي ذات الوقت تحضر لانتخابات برلمانية في نهاية هذا الشهر تكريسا لتراث ديمقراطي عريق ومتجذر في لبنان منذ نشأته. والحكومة حريصة على الالتزام بالاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني مع التزامها بحق لبنان في الدفاع عن نفسه واسترجاع ما تبقى من أرضه التي تحتلها اسرائيل.
وبالرغم من أن مهمة هذه الحكومة تنتهي، بحكم الدستور، بانتهاء الانتخابات النيابية، فانها ستبذل أقصى الجهود وستعمل من دون كلل أو ملل، لتحقيق ما فيه خير لبنان واستقراره وسيادته واستقلاله.
في الختام، أكرر شكري وتقديري، للبرازيل رئيسا وحكومة وشعبا ولكافة دول أميركا الجنوبية ورؤسائها، وعسى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أساسية في إرساء عالم يسوده الانفتاح والتفاهم والحوار بين الحضارات، ويسوده الحق والعدل والازدهار لكافة شعوبه. وشكراً.