لقاء الجالية اللبنانية في الرياض – المملكة العربية السعودية
الخميس، ٠٦ نيسان، ٢٠٠٦
أيها اللبنانيون، يا أهلنا الحاملين صورة لبنان،
مرة أخرى نجتمع بكم، لبنانيين في بلدان الانتشار، وهذه المرة نلتقي على أرض المملكة العربية السعودية، هذه الأرض النبيلة التي كم ضمّت وتضمّ، على أرضها المعطاءة وبين شعبها الطيب، أفواجا من اللبنانيين، يأتونها ضيوفا مسهمين في نهضتها، وسرعان ما يغدون أهلا بين أهلها الكرام، وعناصر عضوية في بناء مسيرتها العمرانية المباركة.
وإن ما يميزكم، أيها المواطنون اللبنانيون، أنكم إذ تحلون على أرض المملكة، بما تمثله وترمز إليه، تبدون الوفاء النبيل لما تبادركم به المملكة، وتبقون على الولاء الأصيل لوطنكم لبنان، وهو ما يترك لدى أهل المملكة ارتياحا كبيرا، هم الذين يعرفون جيدا ويقدرون عاليا قيمة الوفاء النبيل والولاء الأصيل.
وإن وفاءنا للعربية السعودية كبير، لما نعرف من حدب لديها على لبنان الحكم والمسؤولين والشعب، وهي أثبتت ذلك غير مرة، وكانت الشقيقة المخلصة الكبرى في كل مرة.
ويكفي أنها، قبل خمس عشرة من السنوات، استضافت أركان الحكم في لبنان، وكانت حرب سنوات الجمر باعدت ما بينهم، فجمعتهم المملكة في الطائف، حيث توافقوا على دستورهم المعدل وميثاقهم الجديد، حتى بات معروفا في التداول حتى اليوم بأنه "إتفاق الطائف"، يلفظها الجميع عفويا، من مسؤولين ودبلوماسيين وصحافيين واعلاميين ومواطنين، عند الكلام على الميثاق الوطني اللبناني.
ويكفي أن المملكة، خلال سنوات الحرب في لبنان، وبعد إحلال السلام الأهلي في لبنان، كانت صلة القربى بين اللبنانيين، بحكمة صاحب الجلالة خادم الحرمين الشريفين، ورعاية صاحب السمو ولي العهد وأصحاب السمو الأمراء، الذي لا يتركون محنة تصيب لبنان إلا ويلهفون إلى إزالتها ورفعها عن صدر لبنان وصدور اللبنانيين.
فالوفاء الوفاء، أيها اللبنانيون، لهذه المملكة التي فتحت لكم أرضها وفرص العمل فيها، والعيش الهنيء بين أهلها الكرام.
ولا يسعدني في هذا اللقاء، إلا أن أحيي، بكثير من الوفاء، ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي يحفظ وعائلته الكريمة، للمملكة العربية السعودية أنها احتضنته، كما تحتضنكم اليوم، كابن من أبنائها المخلصين، ووفرت له، كما توفر لكم اليوم، الدعم والرعاية والعطاء المتبادل. وأنا أعرف أن خسارتكم باستشهاد الرئيس الحريري، توازي خسارة أهلكم في لبنان، لأن الرئيس الشهيد لم يكن رجل دولة وإعمار وخير فحسب، بل أيضا ذلك المؤمن، والانسان الذي أدرك أن كل شيء يتبدل إلا القيم والفضائل، وأولها فضيلتا الايمان والوفاء.
ولأننا مؤمنون بما كان عليه الشهيد الكبير من صفات ومناقبية وعصامية، وبأن استشهاده كارثة أصابت الوطن فإننا نجدد التأكيد على أن كشف القتلة المجرمين والذين خططوا وتواطئوا أو قصروا، هو أحد أبرز أهداف حكومتنا التي يسرها أن تكون لجنة التحقيق الدولية قد انطلقت بعد تعيين رئيس لها، ونأمل أن تتمكن هذه اللجنة الدولية من أن تنجز مهمتها في أقرب وقت ممكن حتى تنجلي الحقيقة وتحدد المسؤوليات وسيثبت لبنان مرة جديدة احترامه والتزامه قرارات الشرعية الدولية.
أيها الأحباء،
نلتقي اليوم بكم، ووطنكم لبنان على عتبة الانتخابات التشريعية التي نأمل أن تحمل إلى المجلس النيابي العتيد من هم جديرون بتمثيلكم وتمثيل أهلكم ومواطنيكم هناك في لبنان، ليبنوا معا ونبني معهم جميعا، في الحكم كنا أم في صفوف الشعب، وطنا جديرا بآمال جيله الجديد الذي يتطلع إلى وطن له طالع من إشراقة المستقبل.
وإذا كان القانون الذي ستجري الانتخابات في ظله، مليء بالثغرات التي سعينا إلى معالجتها بالتعاون مع المسؤولين والسياسيين والقياديين الروحيين، فإن الأمل بأن يعوض إقبال اللبنانيين على الاقتراع، ما سببه هذا القانون من خلل وإرباك.
إلا أنه لا يجوز أن يغيب عن بالنا، أننا مدعوون جميعا إلى كلمة سواء تحقق التضامن المنشود وتعزز الوحدة الوطنية التي يلتقي الجميع على ضرورة المحافظة عليها، غير أن الفعل لتحقيق هذا الهدف السامي، ليس – ويا للأسف – على مستوى القول، الأمر الذي دعانا مرارا إلى رفع الصوت عاليا: ألا فليرحم اللبنانيون وطنهم ويجنبوه تجرّع الكأس المُرة، مرة أخرى، ألم يكفنا ما حل بنا نتيجة تفرقنا وتباعدنا؟
أيها الأحباء،
لن نكون مثاليين بدعوتكم إلى ترك ما أنتم فيه حيثما أنتم، للعودة إلى أرضكم الأم. فانما أرضكم الأم تحتاجكم كذلك في حيثما أنتم، ترفدونها بمساعداتكم ودعمكم، ونحن من طرفنا هناك، على الأرض الأم، نقوم بما علينا من واجبات ومسؤوليات يمليها ضميرنا علينا، فنهيىء الأرض والأجواء والظروف كي تكون جميعها مؤاتية لكم بالاقناع الكافي. وعندها لن تعودوا تنتظرون منا، ولا من أحد سوانا، أن يدعوكم للعودة، لأن عودتكم عندئذ تصبح تلقائية شخصية ذاتية، ونابعة منكم مباشرة، وقد شعرتم بأن وطنكم بات على التصور الذي تأملونه له، وتأملونه منه، وتريدونه لأبنائكم وأجيالكم الجديدة.
فتحيّة إليكم في موطنكم الثاني، هذه المملكة العربية السعودية النبيلة، ونحن نعرف كم أن في كل بلدة وقرية ومدينة من لبنان مواطنين لبنانيين يعملون في المملكة العربية السعودية، ما يعني شدة القربى في الأواصر بين لبنان والمملكة، في أخوّة عربية رائدة مثالية، نتعلمها من الأصالة السعودية، وتنضح بها دائما أصالة اللبنانيين.
ولنا معكم مواعيد بيضاء مشرقة، فكونوا على أمل كبير بوطنكم، ولا تيأسوا من الغيم الأسود إذا رأيتموه. إنه عابر زائل، وتعود بعده السماء صافية واعدة بالربيع الطويل.
عاشت المملكة العربية السعودية. عشـــتم جميـعـا ... وعاش لبنان.