كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في إفتتاح منتدى الإقتصاد العربي وإطلاق ميثاق بيروت الإقتصادي – فندق فينيسيا
الخميس، ١٦ حزيران، ٢٠٠٥
دولة الرئيس رجب طيب أردوغان،
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها السيدات والسادة،
ضيوف لبنان الكرام،
يسعدني أن أرحب بكم اليوم ويسرني أن أرحب باسمي وباسمكم جميعا بدولة الرئيس الصديق رجب طيب أردوغان، ضيفا عزيزا على لبنان وضيف شرف هذا المنتدى ولعلكم تلتقون معي في ان العلاقات التاريخية والوثيقة التي تربط عالمنا العربي بتركيا، تفرض علينا تطوير التبادل الاقتصادي بيننا. فالتطور المدهش الذي شهدته تركيا خلال العقود الثلاثة الماضية في كافة القطاعات يحضنا على أخذ العبر من تجربتها في تحرير وتطوير وانماء اقتصادها، كما يعطينا حافزا لتوطيد العلاقة مع المجتمع الاقتصادي التركي عبر مشاريع استثمارية مشتركة. وكلني أمل أن تشكل اجتماعاتكم اليوم انطلاقة اساسية لتحديد المشاريع والمجالات التي يمكن التعاون فيها. وأننا تتطلع إلى أن تكون بيروت مكانا لانعقاد الدورة المقبلة للملتقى الاقتصادي العربي التركي الذي عقد دورته الأولى الشهر الماضي في اسطنبول.
وأود بداية أن أنوه بالجهود المبذولة لتنظيم هذا المنتدى، وأن أتقدم بالشكر الجزيل من الصديق رؤوف أبو زكي ومجموعة الاقتصاد والأعمال، وهي المؤسسة التي ساهمت في تحويل المؤتمرات في لبنان إلى صناعة رائدة، مما ساهم في تعزيز دور لبنان كمركز للحوار الاقتصادي والاستثماري والمالي في المنطقة.
أيها السيدات والسادة،
نفتقد جميعنا اليوم، وفي هذا اللقاء الحاشد، قائدا مميزا ورجلا عظيما، كان رائد هذه اللقاءات ونجمها المتألق، الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي إغتالته يد الغدر، فخسر لبنان بغيايه رمزا لوحدته الوطنية وركنا اساسيا لبدء مسيرة النهوض الاقتصادي، كما خسر العالم العربي رجلا من دعاة التضامن والانفتاح، حمل قضاياه القومية والوطنية في المحافل الدولية. رحم الله الرئيس الشهيد وألهمنا القدرة على متابعة مسيرته والاهتداء برسالته، ولنا ملء الثقة بعائلة الشهيد لاستكمال المسيرة السياسية والانمائية للرئيس رفيق الحريري، وتحقيق حلم النهوض بلبنان.
غير أنه، وعلى الرغم من الحدث الجلل الذي أصاب لبنان والتداعيات التي نتجت عن الجريمة، تمكنا من استيعاب انعكاسات الزلزال، التي جاءت ، ومن دون شك، محدودة، قياساً إلى حجم الكارثة. فخرجنا من هذه المحنة موحدين، مختزنين طاقة أملا لمواجهة التحديات والمضي قدما. وفي ذلك دليل على مناعة الاقتصاد اللبناني وقدرته على التكيف مع الظروف والتغلب على الصعوبات والنهوض بسرعة بعد كل كبوة، وهو أشد ثقة وأصلب إرادة على التقدم والتطور.
والواقع أن هذه المناعة الاقتصادية لا يمكن فصلها عن الوعي السياسي وعن إرادة اللبنانيين وتمسكهم بنظامهم الديقراطي البرلماني وإصرارهم الكبير على الحرية مهما كبرت التضحيات من أجلها.
دولة الرئيس أردوغان،
ايها السيدات والسادة،
ينعقد منتداكم اليوم، وقد شارفت الانتخابات النيابية على نهايتها. وقد تمت المراحل المختلفة من هذه الانتخابات في أجواء ديموقراطية وهادئة ونزيهة. وبذلك تكون الحكومة التي لي شرف رئاستها، قد التزمت بما تعهدت به أمام اللبنانيين، وأنجزت متطلبات هذه المرحلة الانتقالية تمهيدا للمرحلة التأسيسية المقبلة من حياة الوطن.
غير أنه، وبالاضافة إلى التحديات السياسية الداخلية والاقليمية، يواجه لبنان على الصعيدين المالي والاقتصادي، تحديات جمة، تقتضي منا التحرك وبسرعة لمواجهتها من خلال استكمال عملية الاصلاح، ولا يخفى على أحد أن الوضع الاقتصادي يتطلب معالجة جذرية وشاملة، غير مجتزأة، بمشاركة جميع الفرقاء اللبنانيين.
إن لبنان، بما يملك من طاقات وقدرات بشرية، قادر على تخطي كفة الصعوبات في حال توفرت الرؤية السليمة، والبرنامج الصحيح، والارادة على التنفيذ، مما يتطلب توافقا وطنيا شاملا حول دور لبنان الاقتصادي والخطوات الواجب المضي فيها من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من الدور المنشود. لقد أضمحلت الخيارات أمامنا، إلا أنه لا تزال لدينا فرصة ثمينة وربما أخيرة، وهي في متناول أيدينا، وإذا ما أحسنا انتهازها سنتمكن من الدخول في المستقبل بثقة عارمة لتوفير حياة أفضل لأجيال لبنان المقبلة.
دولة الرئيس
أيها السادة،
إنطلاقا من هنا، لقد عاهدت نفسي خلال فترة وجودي في سدة المسؤولية، على السعي الجاد لوضع رؤية شاملة لكل مكونات ومفاصل الاصلاح الاقتصادي والمالي والاجتماعي التي لا بد للبنان من أن يتبناه كاملة. ويسعدني أن أطلعكم اليوم على الخطوط العريضة لهذه الخطة.
إن رؤيتنا لدور لبنان ومستقبله الاقتصادي هي رؤية شاملة متكاملة، تهدف إلى معالجة أعباء القطاع العام وتأثيرها على الحركة الاقتصادية، وإطلاق إمكانات القطاع الخاص بكل أبعادها، وتعزيز حقوق المواطن السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية. كل ذلك سيتم تنفيذه من خلال مجموعة من الاجراءات الاصلاحية، تتناول مختلف المجالات التي تحكم الحياة الاقتصادية، وعلى كافة المعنيين بهذا المشروع الاصلاحي، المساهمة في وضعها وتطويرها، ضمن إطار زمني محدد.
وتتمحور رؤيتنا حول:
- تحديد دور ومسؤولية الدولة اللبنانية على صعيد إعادة هيكلية القطاع العام.
- معالجة الاختلالات المالية.
- تدعيم شبكات الأمان الاجتماعية.
- تعزيز وتفعيل قدرات القطاع الخاص من خلال إعادة النظر بالتوازنات المالية والانفاق الاجتماعي والاستثماري.
- تنقية الاطار المؤسساتي ليكون للدولة دور فاعل يتماشى مع طموحات المواطن وقدرات الاقتصاد.
هذه هي الاهداف في المحتوى. أما التوقيت فهو حتما الآن لأنه:
آن الأوان أن تنتقل الدولة من خدمة السياسيين إلى خدمة المواطن.
آن الأوان أن تحد الدولة من إثقال كاهل المواطن وأن تتحول إلى رافعة للمجتمع.
آن الأوان أن تكون الدولة ممهدة لمستقبل مشرق لأبنائها بدل أن تكون أسيرة الماضي وتحد من اندفاع شاباتها وشبابها.
آن الأوان أن تكون الدولة المحفز للانتاج والانتاجية، بدل أن تشجع الاتكالية والريعية.
خلاصة القول أنه لا بد أن يتحول مضمون خطابنا السياسي في لبنان من المحور السياسي الصرف إلى المحور الاقتصادي ومعالجة المشاكل الاجتماعية التي تحد من تطوير وتنمية المواطن. فالتركيز على معالجة أمور أساسية كالطبابة والتعليم والضرائب وهجرة الشباب ودور المرأة والحد من البطالة وتحفيز الحريات، والممارسة الفعلية للديمقراطية، أهم بكثير من سجالات وخطابات سياسية هدفها مقعد نيابي أو مصالح شخصية تتناسى مصلحة المواطن وتحد من دور مجتمعنا المدني ومن آلية تطويره.
أيها السيدات والسادة،
أود هنا القول بصراحة أن "باريس 2" نجح عربيا ودوليا وتعثر لبنانيا، لذا أود التأكيد على أن طريق الاصلاح الاقتصادي ومشروع الانماء يتطلب توافقا وطنيا جامعا، يكون بمثابة "طائف اقتصادي"- انمائي" ، أطلقنا عليه اسم "ميثاق بيروت" فكما تطلب خروجنا من الحرب انعقاد "طائف سياسي" برعاية كريمة من المملكة العربية السعودية وبدعم عربي ودولي، فإن "ميثاق بيروت" يتطلب، لنجاحه، توفير مثل هذا الدعم.
غير أن المسؤولية الأساسية تقد على عاتق اللبنانيين أنفسهم، وعلى توافقهم الداخلي حول سلة الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية المطلوبة للنهوض باقتصادنا الوطني. وكلنا إيمان بأن هذا التوافق ليس أمرا صعبا، خصوصا أن الجميع اليوم واع إلى مسؤولياته الوطنية في المساهمة في مشروع نهوض وانماء لبنان.
دولة الرئيس أردوغان،
أيها السيدات والسادة،
لقد طرحنا همومنا اللبنانية أمامكم لقناعتنا بمدى إهتمامكم بلبنان وحرصكم على ازدهاره، وبينكم العديد ممن اختار لبنان مركزا لاستثماراته، ومقصدا للاستجمام والراحة، ووجد في المدارس والجامعات العاملة في لبنان خير سبيل لتعليم أبنائه، وفي الخدمات الاستشفائية كفاءة وخبرة ذات مستويات عالية جدا.
إننا نعي تماما الأهمية المتزايدة للقطاع الخاص في تنمية مجتمعاتنا وازدهارها، ونأمل أن يساهم منتداكم في تحقيق شراكات استثمارية جديدة، آملين لاجتماعاتكم النجاح ومتمنين لكم طيب الاقامة في ربوع لبنان.
عشتم وعاش لبنان.