الرئيس نجيب ميقاتي لـ «الأمن العام»:
ـ أشعر بقرار دولي ومظلة يضمنان الاستقرار في لبنان
ـ لا تعويم للحكومة في الدستور واتفاق الطائف
ـ لنكف عن فرض الشروط ونذهب الى حكومة لا تعزل أحداً
الجمعة، ٠٣ كانون الثاني، ٢٠١٤
للرئيس نجيب ميقاتي ان يذكر ويتذكر طويلا، وان يُدوّن له يوما، انه رئيس اطول الحكومات المستقيلة عمرا. انقضى على استقالته اكثر من تسعة اشهر، الا انه لا يزال في الحكم. على رأس الحكومة الاكثر جدلا منذ عام 2005 حتما، ومنذ وضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ عام 1990 في احسن الاحوال كاحدى حالات استثنائية. سيكون من المتعذر العثور في حقب الحكومات المتعاقبة على شبيهة بها. جاء بها اضطراب محلي واقليمي. رئيسها ليس رئيس الغالبية الحكومية، الا انه حمل مفتاح استمرارها ومغادرتها حتى فاجأ الغالبية بالاستقالة. على نقيض ما شاع عن تأليف الحكومات، في العقود الاخيرة، لم تكن حكومته حكومة وحدة وطنية. ولا حكومة اكثرية مستبدة. رفع شعارا غير مسبوق تحتاج مجاراته الى كثير من التبرير والاختبار والامتحان الصعب، هو الوسطية في ائتلاف حكومي ليس كذلك ولا يرجح كفتها.
في الايام الاخيرة من سنة 2013، وقد حملت تحديات صارمة لحكومته، اجرى الرئيس ميقاتي، في حديث شامل الى "الامن العام"، جردة اشهر اختلطت فيها المآزق السياسية بالاضطرابات الامنية، وخصوصا في مسقطه، فقال ان ما تطلبه طرابلس هو الامن اولا. اعرب عن شعوره بقرار دولي ومظلة تحمي الاستقرار في لبنان، الا انه وقف على طرف نقيض من تدخل الافرقاء اللبنانيين في الحرب السورية. قال ان تداعياته سلبية، ولن تفضي مشاركة هذا الفريق او ذاك الى تعديل مسار الحرب تلك. اسهب في الكلام عن ملف النازحين السوريين والاعباء التي يتحمل لبنان وزرها، مبديا خيبته من المجتمع الدولي اذ لم يستجب حاجات الدولة اللبنانية وقدراتها في رعاية النزوح السوري، داعيا الغرب في الوقت نفسه الى بذل جهود لانشاء مخيمات في اماكن آمنة داخل الاراضي السورية. في الاستحقاق الرئاسي لزم رئيس الحكومة التحفظ، وآثر انتظار المهلة الدستورية.
حاورت "الامن العام" الرئيس ميقاتي كالآتي:
* مرت تسعة اشهر على استقالة الحكومة. كيف تصف دولة الرئيس التجربة التي لم يعشها احد من قبل؟ هل صحيح اننا نعيش تجرية الحكومة المستقيلة والحكومة المستحيلة؟
ـ في نهاية عام 2013 تكون مرت تسعة اشهر على هذه التجربة. بصراحة مطلقة اتذكر، واذكر الجميع انني عندما استقلت قلت في كتاب الاستقالة ما حرفيته "عسى ولعل ان تشكل هذه الاستقالة ثغرة في الحائط المسدود في الحياة السياسية اللبنانية". اعرف ان اللبنانيين يهتمون بالسياسة ويرتاحون الى التغيير ويتطلعون الى الوجوه الجديدة واناس جدد. قلت حتما سنمر عندها في فترة يسأل فيها الجميع، من هم الوزراء وكيف ستوزع الحقائب وما هو البيان الوزاري، فتتحرك الحركة السياسية التي شلها الإستقطاب السياسي الكامل في الفترة الاخيرة. اعتقدت يومها ان هذه الامور ستتم بسرعة. وفعلا رأينا كيف تم التكليف بسرعة نسبيا، ولم ينقضِ اكثر من اسبوعين بين الاستقالة والتكليف، فضلا عن الاجماع الذي رافق التكليف. اعتقدت ان تشكيل الحكومة سيتم بسرعة ايضا الى درجة انني اقمت في الاسبوع التالي حفلة لموظفي السرايا وودعتهم، على اساس ان الحكومة ستشكل بين ليلة وضحاها. من الناحية الادارية اصدرت تعميما شددت فيه على ادارة تصريف الاعمال، وتشددت في ان تكون عملية تصريف الاعمال صارمة، باضيق تفسير يمكن ان يتم. كل ذلك ترافق مع اعتقادي ان القضية ستمر في اسابيع. اليوم صار لنا تسعة اشهر.
* ما الذي يعيق تشكيل الحكومة الجديدة؟
ـ في السياسة شيء اسمه الواقعية لئلا اقول الوسطية او الاعتدال. وهي في منزلة ما بين منزلتي الوسطية والاعتدال. بمقدار ما يكون الانسان واقعيا يضع نفسه مكان كل طرف يفاوضه كي يصل الى حل معين. عندما نفتقد هذه الواقعية السياسية لا يمكن ان نصل الى حل. العكس صحيح. لكنني اعتقد اليوم ان السبب الحقيقي الذي يؤخر تشكيل الحكومة، ان كل فريق يتشبث برأيه، ولا يتطلع الى الوضع بواقعية. لسنا في سويسرا، وعلى الجميع ان يعي الوضع القائم في البلاد لنتسابق على الحل بدلا من السباق على رفع السقوف. لنتسابق ونتعاون لتوفير الحل للبلد سوية، ونكون واقعيين فنتنازل عن الشروط والشروط المضادة ووقف كل مسعى او جهد يبذل لعزل فريق لآخر. لبنان، وجيلنا الذي عاش منذ عام 1975 الى اليوم، تابع كيف بدأت الازمات وكيف انتهت، وشهد ما يؤدي اليه اي مشروع للعزل. هذه المواضيع يجب ان تدفعنا الى الجلوس معا، ويقبل بعضنا بعضا ونحل القضايا الاساسية. من هنا الحديث عن حكومة مستقيلة وحكومة مستحيلة. اعتقد اننا عندما نكون امام المصلحة الوطنية فلا مستحيل.
*اين اصبحت مساعيك لعقد جلسة لمجلس الوزراء، وما هي الملفات التي تراها ملحة للبت؟
ـ من هذا المنطلق بحثنا في الموضوع، فأخذ علينا البعض انها محاولة لتعويم الحكومة. ليس في اتفاق الطائف ما يسمى تعويم حكومة، ولا توجد كلمة في الدستور تقول به، ولا نستطيع تعويم الحكومة بعد الطائف. لذلك فان الحديث عن تعويم حكومة، وان باي شكل من الاشكال، غير وارد. لكن هناك مصالح الناس. انتقدنا البعض وقال اننا نتقاعس عن دعوة مجلس الوزراء للبحث في قضايا اساسية، والبعض الآخر انتقدنا فخامة الرئيس وانا باننا نتوسع في اعطاء الموافقات الإستثنائية. اقول للجميع، بدلا من ان تنتقدوا، لنجلس ونبحث في الموضوع. عندما بدأنا البحث من جديد استقبلتنا الانتقادات في الصحف قبل ان نبدأ، ووضعت لنا الشروط للبحث في جدول الاعمال. عندئذ قررت التريث.
* قال البعض ان اجتماعا لمجلس الوزراء يعرقل مساعي الرئيس المكلف ومهمته؟
ـ بالعكس، هذا النوع من العمل يشكل نداء وحافزا لتشكيل حكومة جديدة.
القديم والجديد في طرابلس
* طمأنت اللبنانيين والمغتربين في اكثر من مناسبة الى ان الوضع الامني في لبنان لا يزال مقبولا. على مَ استندت والوضع في طرابلس ومناطق اخرى يهتز يوميا وهاجس السيارات المفخخة والانتحاريين لا يفارقنا؟
ـ نحن في لبنان ـ لسؤ الحظ اكرر ذلك دائما ـ نتكل على التصور الخارجي بالنسبة الى وطننا اكثر مما نتكل على نظرتنا ومسؤولياتنا الوطنية. اشعر اليوم بوجود قرار دولي يضمن الاستقرار في لبنان. هذا القرار ـ واقول ذلك صراحة وبتواضع ـ كنت قد ساهمت فيه وسعيت اليه في كل اتصالاتي الخارجية والدولية. عندما شكلت حكومتنا، كان المجتمع الدولي تقريبا كله ضدها. اليوم نرى الصورة انقلبت. في اتصالاتي ادركت وتلمست كثيرا ان المجتمع الدولي يشعر بان الاستقرار في لبنان حاجة وضرورة لنا ولهم. حتى اليوم اقول ان هذه المظلة موجودة. ومن هنا انطلق للقول: نعم هناك حوادث تحصل، وهي حوادث متفرقة يمكن استيعابها وتطويقها في اسرع وقت. اي ما ان تطلق رصاصة نكون جاهزين لتطويقها لئلا يمتد الحريق. لذلك اعتقد واقول: نعم هناك حوادث متفرقة تحصل، ونشكر الله انها، حتى الآن، ذات طابع فردي، او انها محصورة في منطقة محددة، ولا امتدادات لها على مساحة الوطن. ودلت التجارب انه يمكن حصرها الى اليوم. لكنني اتصور ان ما يحمل تراكمات طويلة وآنية معا هو موضوع طرابلس. للوضع فيها مجموعة اسباب متشعبة. منها ما هو قديم وهو الواقع التاريخي القائم بين جبل محسن وباب التبانة. لدينا ايضا ما هو مستحدث وهو الوضع الذي قام بعد تفجير مسجدي السلام والتقوى. الموضوع الثالث هو المسألة الاجتماعية والاقتصادية. وهي الاخطر في ضوء الحالة الامنية القائمة اليوم. لم يعد الوضع مشجعا. ارتفعت نسبة البطالة والفقر ما يرفع بدوره نسبة التوتر والاستغلال.
كل هذه الاسباب الموجودة مجتمعة من شأنها تفجير الوضع في اي لحظة، وما حصل في المسجدين لا يستطيع اي انسان في طرابلس او اي منطقة اخرى ان ينساه او يتجاهله. ما حصل باعتراف الجميع جريمة كبرى اودت بحياة 50 ضحية ومئات الجرحى. انت الى اليوم اذا رايت احدا منهم تتذكر الانفجار. ليس سهلا ان تنسى. بعدما وجهت الدولة اصابع الاتهام الى منطقة معينة، علينا العمل لمعالجة الامر. على الدولة ان تلعب دورها في الكشف عن كل من ساهم او شارك في هذه الجريمة، وهو امر اساسي، خصوصا وان تجاوب اهالي المدينة كان كاملا الى درجة مثالية. كلهم قالوا بعد الانفجارين بوضوح: لن نتهم احدا، وما نريده ان تاخذ الدولة دورها. عندما وجهت اصابع الاتهام الى فريق معين قالوا: ان على الدولة ان تاخذ دورها ولسنا بديلا منها. لم يقبلوا بالحرس الخاص ولا الامن الذاتي. قالوا في كل المناسبات التي تلت: نحن مع الدولة التي ننتمي اليها ومنها ولها، ولتاخذ دورها. هذا الواقع علينا تقديره والافادة منه الى النهايات السعيدة لكل ما يجري في المدينة، وإن شاء الله ننجح في ذلك.
رغم كل هذه الخارطة الامنية الشائكة في طرابلس، لدي شعور بالاطمئنان بان الاهالي، مع كل الحسرة التي في قلوبهم والالم الذي يشعرون به، لا يريدون الا الدولة. ما نتمناه اليوم تحقيق الامن والعدالة، وان ينجح الجيش في الدور الذي تؤديه معه الاجهزة الامنية والقضائية الاخرى التي تواكبه من اجل ان ينجز المهمة السلمية التي كلفوا اياها، فتنجلي الحقائق لاتخاذ القرارات المناسبة في حق كل من تسبب بما حصل، وتطمئن النفوس الى مجرى العدالة.
* الا تحتاج طرابلس اليوم الى عمل انمائي يضاف الى العمل الامني، فيتوجه الشباب الى العمل بدلا من اقتناء السلاح؟
ـ لا شك في ان هذا هو المطلوب. ان يواكب الانماء الامن. هذه الامور مهمة وضرورية، لكن الاساس يكمن في الامن. من المهم توفير البيئة الاقتصادية الجيدة لتنشيط الحركة في المدينة. لكن متى لم يتوافر الامن، يصبح من الصعب انجاز هذا النوع من العمل له الديمومة والاستمرارية. الامن هو الخطوة الاساسية التي تسبق القيام باي نشاط اقتصادي او انمائي في اي مكان في العالم. هذا ما نريده لمدينتنا العزيزة وسكانها الطيبين.
خطف المطرانين
* دولة الرئيس، انتهى ملف احتجاز اللبنانيين الاحد عشر في اعزاز. كيف هو تقويمك لهذا الملف ونهاياته؟ هل هناك ما يشير الى ملف خطف المطرانين وراهبات دير معلولا؟
ـ بداية لا بد من الاشارة الى ما كلفنا ملف مخطوفي اعزاز من جهد وتعب لاشهر عدة. اتذكر كيف قمت بثلاث زيارات لتركيا وبحثت فيه، ولا ننسى ايضا ما قام به المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بكل جدية عندما تسلمه، فرايناه يتنقل بين العواصم. من الدوحة الى دمشق وانقرة، وعواصم دول اخرى الى ان انجز ما انجز وافرج عن الجميع. كما ان الرئيس الفلسطيني تعاطى معنا بكل نية صادقة وساعدنا كثيرا في مرحلة المفاوضات. لعب اللواء ابراهيم دورا ديناميا وقويا في ذلك. كان من واجبنا ان نقوم بكل ما قمنا به، وان نكون الى جانب مواطنين لبنانيين تعرضوا لما تعرضوا اليه. بالنسبة الى موضوع المطرانين المخطوفين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم وراهبات دير معلولا، تحدثت في هذا الموضوع مع ملك الاردن. وفي زيارتي لقطر تحدثنا فيه مع سمو الامير تميم بن حمد آل ثاني بالتفصيل، وسعينا لدى كل من نعتقد ان له دورا في ذلك للافراج عنهم جميعا ولا نزال نعمل. لكننا لا نستطيع اعطاء وعد في هذا الشأن في انتظار الاطلاع على نتائج هذه الجهود المبذولة التي لن تتوقف قبل بلوغ نتائجها المطلوبة. سنسعى بكل قوانا، ولن نتقاعس لحظة عن تأمين الافراج عنهم. عندما نعرف ان هناك من هو قادر على مساعدتنا لن نوفره. هنا اراها مناسبة لانوه بما قام به ولا يزال امير قطر بكل جدية، وهو كلف فريق عمل خاص لمتابعة الموضوع الى النهاية التي نريدها ويريدها.
التدخّل في سوريا وعبء النزوح
* هل تراهن على الحلول السياسية لما يجري في سوريا التي يسعى اليها المجتمع الدولي؟ ما هو حجم الرهان على مؤتمر "جنيف 2 "؟ واين اصبح قرار الحكومة النإي بالنفس، وكذلك مصير "إعلان بعبدا"؟
ـ عندما اتخذنا قرار النإي بالنفس في تعاطينا مع الملف السوري، قلنا ان ذلك ضروري لاسباب عدة. اولا لحماية العلاقة التاريخية التي تربط لبنان بسوريا، وثانيا لان لدينا الوفا من اللبنانيين يعملون في دول الخليج ولا نريد ان نسيء الى مصالحهم، وثالثا لانه يتصل بالانقسام اللبناني الحاصل من الوضع السوري. وجدنا ان اي قرار تتخذه الحكومة يزيد من حدة الانقسام بين اللبنانيين ايا يكن، وستتضرر مصالح اللبنانيين في الخليج ايضا، ويمكن ان نسيء الى العلاقات الجغرافية والطبيعية التي تربطنا بسوريا فتنحدر الى اسفل السلم. لذلك كله اتخذنا قرار النإي بالنفس. واعتقد ان على الجميع ان يدرك انه لو كان اللبنانيون جميعا مع فريق من الفريقين في سوريا، لن يقدموا او يؤخروا في النتيجة ومجريات الاحداث. اذا ظللنا كما نحن اليوم، مع فريق وضد آخر، لن نقدم ولن نؤخر ايضا. كل ما قلناه ان اي تدخل مع هذا اوذاك سيزيد من مشاكلنا الداخلية ويعزز الانقسامات وحدة ردود الفعل على لبنان. لبنان هو الاضعف.
قررنا اللجوء الى الناي بالنفس لانه يريحنا ويبقينا على مسافة واحدة من الطرفين. كرسنا هذا الموقف في اعلان بعبدا، ودعونا الى الحياد عن كل المواضيع الخلافية في العالم العربي. لذلك ارى ان راحتنا والحل لخلافاتنا يكمن في التزام هذا القرار التزاما كاملا. لا مردود ايجابيا على الإطلاق لتدخلنا في سوريا، لا بل له مردود سلبي بكل الوجوه. لا ابصر له ايجابية واحدة. لبنان دائما هو الحلقة الاضعف بين المجموعة العربية، وبين دول الجوار السوري ايضا، وعلينا ان نتجنب اي موقف يضر بمصالحنا الداخلية والخارجية. صحيح اننا نأينا بانفسنا في الموضوع السياسي، لكننا لم ننأ بانفسنا في القضايا الانسانية وتحمّلنا المسؤولية الى الحدود التي تجاوزت قدراتنا. بعد ان نأينا نحن بانفسنا، وجدنا ان الازمة السورية هي التي لم تنأ عنا، ففرضت نفسها على واقعنا وتحمل اليوم اوزارها الكبرى من خلال حجم النازحين. هؤلاء الذين بلغوا بفعل موجات النزوح المتواصلة اعدادا كبيرة.
لم يقصّر فخامة الرئيس سليمان في خدمتهم. وهو منذ مؤتمر الكويت الذي عقد في 30 كانون الثاني، اي قبل عام تقريبا، كانت له صرخة مدوية وصريحة محذرا من سلبيات ما يحصل في لبنان وتداعياته على الوطن وشعبه. منذ ذلك الوقت لم يتوان عن اي خطوة يراها مناسبة، وهو يتابع هذا الموضوع، وانا اعمل ايضا في هذا الاتجاه الاجتماعي. كل زياراتي الى الخارج شددت على ان لبنان يحتاج الى الدعم الذي يسمح له بتوفير الحد الادنى المطلوب، لمعالجة هذا الملف من بابه الانساني والاجتماعي قبل الامني والسياسي. قلت لكل الدول التي زرتها والتقيت المسؤولين فيها: لو تعرضتم لهذا الدفق غير المحسوب وغير المنتظر من النازحين لكان علينا نحن ان نساعدكم. لكن ويا للاسف الشديد ما هو حاصل اليوم اننا متروكون لوحدنا في مواجهة تداعيات هذا الامر. لذلك طالبتهم وناشدتهم ولا ازال، واطلقت نداء قبل ايام للعالم اجمع قلت فيه: نرجوكم لا تفشلوا النموذج الانساني القائم اليوم، ولا تدمروا ما يميز لبنان. قلنا لهم بوضوح ان شعاراتكم بالدعم والتفهم لكل ما يجري عندنا جميلة لكنها تبقى شعارات ما لم تترجموها وقائع وخطوات ملموسة على الارض. وهو امر تترجمه المساعدات المالية والمادية لتجاوز هذه الازمة الخطيرة، والسعي الى تطويقها وتخفيف وطأتها على ضحاياها وانهائها في اسرع وقت ممكن، عليكم ترجمتها فعلا لا قولا.
اخطر ما نواجهه في ازمة النازحين يكمن في الجزء الصحي منها. لم يقصر لبنان في تقديم ما في وسعه وقدراته، لذلك نقدم ما يلزم للاطفال والمصابين بالامراض المستعصية والكلى وحالات الولادة، ولم نتقاعس يوما. وما دمنا نرى الموضوع من زاويته الانسانية لا نميز بين فريق وآخر. نقدم المساعدات من دون ان نحدد هل ان هذا المريض او المصاب مع هذا او ذاك. رسالتنا الانسانية واحدة، ولن يتراجع لبنان عن هذا الدور ايا تكن المصاعب، وعلى الدول التي تحرص على الشعارات الانسانية ان تكون الى جانبه وتطبيق مقتضياتها ومفاهيمها كاملة.
* لاحظنا انك تشعر بخيبة امل كبيرة في تعاطي العالم مع ملف النازحين؟
ـ قلت ذلك فعلا، واشعر بهذه الخيبة خصوصا واننا وعدنا ولا نزال الى اليوم نتلقى الوعود. نسمع بعض الحجج من وقت الى آخر ومنها ما يقال انكم اذا اردتم معالجة قضية النازحين عليكم تشكيل الحكومة. هذا صحيح، ونعترف بان هناك ازمة اسمها تشكيل حكومة. لكن ما دخل هذا الملف السياسي اللبناني باخر مختلف عنه وغير لبناني، واي رابط بينهما. لقد سعت حكومتنا ولا تزال الى مقاربة هذا الملف من كل النواحي مع الحكومات والصناديق في فترة تصريف الاعمال. هل نقبل بان يموت النازحون من البرد ما لم تشكل الحكومة. اتفهم هذه الحجج الواهية التي نسمعها من البعض.
* ما الذي يعيق عودة السوريين النازحين الى المناطق الآمنة، واين اصبح الحديث عن مخيمات داخل الاراضي السورية؟
ـ هنا ايضا رفعنا الصوت عاليا، لاننا في حاجة الى مساعدة الدول والمنظمات الدولية التي عليها دعمنا في مواجهتنا ملف النازحين. المجتمع الدولي الذي يدمر الاسلحة الكيميائية السورية، وقد ارغم سوريا على التخلي عنها، يستطيع فرض قيام المخيمات على اراضيها. كلنا يعرف ان سوريا دولة كبيرة وشاسعة واراضيها واسعة، وكلنا يعرف ان معظم النازحين السوريين الى لبنان هم هنا لاسباب امنية وليس لاسباب سياسية او سواها. هناك مناطق شاسعة داخل سوريا يمكن ان ينتقل اليها هؤلاء ليعيشوا فيها بكرامة وامان، وقد تكون الكلفة اقل مما هي عليه اليوم، وقد تؤدي الى تحريك الموضوع الإقتصادي في سوريا. لذلك نتحدث مع المنظمات الدولية للضغط في هذا الاتجاه من اجل ان تتجاوب الحكومة السورية لانشاء المخيمات داخل الاراضي السورية.
لبنان والمجتمع الدولي
* توصلتم اخيرا الى خريطة طريق وضعها البنك الدولي واقرت في مؤتمر نيويورك. اين اصبحت؟ وكيف نقوم علاقات لبنان بالمجتمع الدولي؟
ـ العلاقات مهمة وجيدة كما قلت، لكننا لم نر ولم نقطف ثمارها بعد. بطريقة اوضح يمكن القول اسسنا لعلاقات مهمة لم نقطفها بعد.
* تحدث رئيس الحكومة الايطالية في زيارته لبنان عن دعم الجيش والنازحين. ما الذي تحقق؟
ـ ركزنا على ثلاثة ملفات اساسية. اولها دعم الجيش، وثانيها دعم لبنان لتعويض الخسائر التي لحقت به نتيجة الحرب في سوريا وتعويضنا الاثار الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها احداثها، وثالثها موضوع النازحين السوريين. هذا ما طرحه فخامة الرئيس في مؤتمر نيويورك لاصدقاء لبنان بالتفصيل. ما قالته ايطاليا اليوم انها تعهدت موضوع دعم الجيش، وسيعرض الجيش خطته لتطوير المؤسسة في السنوات الخمس المقبلة، وما يحتاج اليه لتوفيره من البنى التحتية الى آخر المعدات والاسلحة.
* هل في وسعنا القول ان المؤسسات اللبنانية قادرة على القيام بمهماتها في مواجهة التشكيك الدولي بشفافيتها وقدراتها؟
ـ لا يطرح الامر بهذه الصيغة. التجربة التي نعيشها اليوم امامنا وليست وراءنا. الفتكم كما لفتنا المجتمع الدولي انه فور اكتشافنا بعض الفساد هنا او هناك في مؤسسات حكومية احيلت على القضاء والمراجع المختصة. وقد تلقيت تهنئة الدول واطراف مختلفين على ما قمنا به في بعض الخطوات التي اتخذناها. ليسمحوا لنا تاليا. المؤسسات اللبنانية قادرة على القيام بالمهمات والمسؤوليات المنوطة بها على كل المستويات. على المستوى الامني نراقب قرارات الجيش في الازمات الكبرى، ونشجع عليها. وعلى المستوى الاداري لدينا المؤسسات القادرة على القيام بمهماتها.
انتخابات الرئاسة
* كيف تنظر دولة الرئيس الى الاستحقاق الرئاسي؟
ـ اتمنى ان يحصل في موعده الدستوري. واعتقد ان من المبكر بت الموضوع، وما اذا كان سيتحقق في موعده ام لا. انا لا اتقن فن التبصير، واظن ان المعطيات المتوافرة الى اليوم غير كافية.
* كيف تعايد اخيرا اللبنانيين على ابواب الميلاد وراس السنة الجديدة؟
ـ المعايدة التي ارغب يمكن تلخيصها بكلمة واشارة مني كمسؤول الى جهاز الامن العام عبر مجلته. فهو يستحق مني التنويه بكل ما يقوم به بنشاط كامل وصمت وثقة عالية بالنفس. لا بد هنا من ان انوه بما لي من علاقة مميزة مع الامن العام واللواء عباس ابراهيم خصوصا. له مني كل التقدير لدوره والمهمات التي يقوم بها هو والجهاز، داخلية كانت او عند الحدود. انا ممن يتابعها بكل التفاصيل وبدقة، ولم ار سوى التجاوب مع كل ما نقرره. ذلك ان ما يطلب من الامن العام، كما من الاجهزة الامنية والعسكرية الاخرى، يصب في المصلحة الوطنية ومصلحة لبنان. ومن الطبيعي الاشارة الى ان علاقتي قائمة مع كل المؤسسات الامنية والادارية، وهي جيدة وطيبة. في المناسبة اتقدم من المديرية ضباطا وعناصر بالمعايدة بميلاد مجيد وعام سعيد، اتمناهما للبنانيين جميعا. ما نحتاج اليه هو راحة البال في هذه الايام.