كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في إفطار منتديات العزم - طرابلس
الخميس، ١٦ حزيران، ٢٠١٦
أيها الحفل الكريم،
يا أبناء العزم،
أقف اليوم بينكم في شهر الخير، والرحمة والمغفرة، الشهر الذي اختاره الله ليجزي به من يشاء، والشهر الذي نفرح ونسعد فيه بالعطاء، ليس فقط لنشعر مع المحتاجين، بل لنقدّر ما وهبنا الله من نعم وصحة وعافية، وبصر وبصيرة ومأكل وملبس، وأيضا نعمة أن نلتقي هنا معاً ونكون دائماً معاً.
لنتذكر ونعمل بقول الله سبحانه وتعالى: بِسْم الله الرحمن الرحيم، كُنتُم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. والمعروف إصطلاحاً هو كُلُّ فعلٍ حسن بنظر العقل والشرع والعرف، أما المنكر فهو كُلُّ قبيح بنظر العقل والشرع والعرف.
المعروف يقوم على حماية الناس، والمنكر يقوم على دفعهم للتهلكة. المعروف يقوم على الدعوة للوحدة والتعاضد والمنكر يقوم على دعوات الفرقة والتشرذم.
المعروف يقوم على الإنفاق على ما ينفع الناس، والمنكر يقوم على استعمال الناس وقوداً لمعارك الآخرين ودفعهم الى هاوية الحروب والخلافات العبثية. نعم نحن نسعى لنتشبه بخير أمة ونعمل بالمعروف وننهى عن المنكر.
سيدات ورجال العزم،
لقد خرجنا من تجربة الإنتخابات البلدية الأخيرة أكثر دراية بمزاج الناس واهتماماً بشؤونهم، وحمّلنا أهلنا الذين أيّدوا خيارنا مسؤولية مضاعفة ولهم منا كل الشكر. أما الناس الذين اختلفوا معنا في الخيار فنحترم موقفهم وخيارهم، والمهم أننا كنّا وسنبقى على إيماننا بخياراتنا الوطنية وبضرورة أن تتضافر كل الجهود من أجل النهوض الإقتصادي والإجتماعي بمدينتنا ومنطقتنا. هذه قناعتنا وسوف نبقى عليها وسنضاعف جهودنا لمواجهة الظروف الصعبة التي تحيط بوطننا.
دخلنا الإستحقاق البلدي بخلفية إنمائية وأردنا أن نتعلّم من التجربة السابقة وألاّ نكررها، ونسجنا توافقاً أردناه لمصلحة لبنان إنطلاقاً من طرابلس، بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات. لقد كنت مقتنعاً أن التوافق هو لخير طرابلس ولخير طائفتنا ولخير الوطن، وتذكرون أنني في لقائي معكم، أنتم بالذات، قبل إقرار التوافق، قلت لكم أنّ المعركة بالنسبة إليّ أسهل خيار، والتوافق أصعبه، غير أنني أفضّل التوافق على إظهار الخلافات أو الدخول في تحديات قد لا تستفيد منها البلدية ولا تستفيد منها طرابلس.
لم نستطع توفير الإمكانات لفوز هذه الخيارات ويجب أن نقر كتيار أننا أخفقنا في تظهير عناصر قوتنا الفعلية وجاء الأداء غير منسجم مع حجم قدراتنا وما نمثّل فعلاً، الأمر الذي شرّع كل الأسئلة.
كلنا مسؤول عن تعثر هذه التجربة، وكلنا مسؤول عن تجاوز تداعياتها على كل المستويات، وقد وردتني تقارير شديدة الدقة تظهر مكامن الخللِ ونقاط الضعف، وسيكون عملنا مكثفا لضمان عدم تكرار هذا التعثر، لأنّنا نؤمن بقدراتنا وبأهلنا وبأنّ الخطأ، إذا حصل، نكون مسؤولين عنه بطريقة إدارتنا وتعاطينا، وكل شيء قابل للتصحيح، خاصة وأنّ النوايا دائماً صافية لا تشوبها شائبة بيننا وبين أهلنا في كلّ مكان.
سنتفاعل مع المدينة بكل أحيائها وسنتواصل مع كل أهلها، سنستمع لهم ونشرح موقفنا ووجهة نظرنا، وسنقف في وجه من يريد تعريض المدينة وأهلها للأخطار، يحرّكنا، بعد إيماننا بالله، إيماننا بثقة أهلنا التي لن تهتز وإيماننا بقدرتنا على استنهاض الهمم من أجل عزة المدينة ورفعتها وتطويرها لتبلغ ما نسمو إليه. والأهم أننا متأكدون أن طرابلس قد نجحت في اختيار الكفاءات القادرة على النهوض بها، إذا ما التزم الجميع بتعهداتهم والتزموا المصلحة العامة فوق أي مصلحة شخصية أو سياسية لأي طرف كان.
أيها العزميون،
أهل المدينة كلهم عائلة واحدة وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا. نختلف على السبل لتحقيق الأهداف أما أهدافنا فهي وَاحِدَة.
يأخذون علينا الهدوء والصبر والنفس الطويل ونُعيب عليهم قصر النظر وضيق أفق الرؤية والخطاب الذي لا يُغني ولا يُسمن من جوع.
يأخذون علينا العطاء دون ضجة وخدمة الناس سراً أكثر من العلانية، ونقول لهم عطاؤنا لله وهو يُجزي عليه وخدمة الناس عبادة فخيركم خيركم لأهله.
يأخذون علينا خطابنا المتوازن المعتدل وتمسكنا بالحقوق بصلابة دون ضجيج، ونحن مستمرون على هذا النهج، وبالخطاب المقرون بالفعل، لا نرفع السقوف ولا نلين بقول الحق.
المسؤولية الوطنية تحتّم علينا وتُلزمنا أن نكون أصحاب رؤية سياسية تنطلق من إيمان ثابت بأنّ الوطن لجميع أبنائه، وأنّ السلوك الإلغائي جرّ ويجّر على الوطن الويلات، وهو سلوك عقيم. وكل موقف نتخذه يقوم على مواجهة الأخطار التي تتهدد الكيان اللبناني والتي تمس بحقوق مدينتنا وطائفتنا بالأخص. وليكن معلوما أننا لن نلين أو نستكين أمام طغيان أحد أو افتراء أحد.
إنّ هذه الثوابت الراسخة في رؤيتنا السياسية، لم تجعلنا يوماً نساوم أو نتنازل عن حضور ودور وحقوق المكوّن الأساسي الذي نُمثّل، نقول هذا بصوت عال، ونتحدّى كل الواهمين، أصحاب الذاكرة المثقوبة، أن يبرزوا موقفاً أو فعلاً سياسياً قدّمنا فيه تنازلاً عن حقوق السُنّة في لبنان. وهذا ليس من باب الطروحات المذهبية، لكن لبنان محكوم بالتوافقية الطائفية، وحين يتحدّث الجميع عن الحقوق لا يمكن إلاّ أن نحمي حقوق السُنّة في لبنان كمكوّن أساس وتعزيز وجودهم ليقوموا بدورهم الوطني في الدفاع عن وحدة البلاد والتمسك بالمصلحة الوطنية الكبرى. وأكبر إساءة تُوجّه الى السُنّة هي فيتحويلهم الى مذهب في مواجهة مذاهب أخرى، فيما هم في الواقع أبناء دولة، ملتزمون خيارها، الدولة الحاضنة للجميع والعادلة مع الجميع.
أيّها الأحبة،
يوم طرحنا الوسطية كخيار كنّا ندرك جيداً أنّه خيارُ صائب لكنّه مكلف، وأن أكلاف هذا الخيار تزداد في ظل الصراعات الكبرى في المنطقة، فتفعيل لغة العقل صعب وتكاد تكون مستحيلة أمام فصول الحروب المتلاحقة والحرائق المشتعلة في المنطقة والأكثر أنّ هذا الخيار وللأسف تحّول إلى هدف صوّب عليه كثر لجرّنا إلى ما لا نريد وما لا نؤمن به، وهو خيّار شُوّه وحُرّف عن مقاصده. لم نكن يوماً ولن نكون من دعاة الوسطية البينية، فنحن لسنا أصحاب خيار وسطيّ بين الحق والباطل، ولا بين الظالم والمظلوم ولا بين القاتل والقتيل. دعونا وندعو إلى خيار وسطيّ أخلاقيّ يقف إلى جانب المظلوم في وجه الظالم، ويُطالب بدم القتيل من القاتل، ودائماً دائماً هو مع الحق في مواجهة الباطل .نحن مستمرون في هذا الخيار أيّا تكن أكلافه، وإن لم يكن في لحظات إحتدام الصراع وسيادة لغة الغرائز خياراً شعبويّاً، فالقيادة الحكيمة هي التي تصل بالناس إلى برّ الأمان، لا التي تخاطب غرائزهم وتجعلهم وقوداً لمعاركها الخاصة.
إخواني،
أؤكد لكم أننا مستمرون إلى جانب أهلنا، ولن نتوقف بإذن الله عن ملاقاتهم حيث يجب، وتقديم الخدمات والعون حيث يجب، وهي مسيرة كانت وما زالت وستبقى غير مشروطة، وعهدي معكم باق، ومع مدينتي التي أحب، وأقول لكم أن طريقنا سوياً مستمر وطويل، ولن نتراخى عن قول الحق أو نتراجع عن خيار اتخذناه في سبيل كرامة طرابلس وعزة أهلها وعزة وطننا لبنان.
إستعدوا وأعدّوا للقادم من الأيام، تواضعوا وثابروا وتابعوا كل ما ينفع الناس كي نظل معاً ملتحمين مؤمنين بقضيتنا التي تجعل من أمتنا خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
بارك الله بكم وبارك لكم بالشهر الفضيل، ودمتم لمدينتكم ووطنكم أهل عزم وإباء. والسلامُ عليكم.