كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في احتفال تخريج طلاب "جامعة طرابلس"، 23/9/2016
السبت، ٢٤ أيلول، ٢٠١٦
أيها الحفل الكريم
يُسعدني أن أكون معكم اليوم، في هذا الإحتفال الذي يجمع بين العلم والإيمان، خصوصاً وأن هذا المجمّع، قد حقّق نجاحات متواصلة. فعلى الصعيد الإنشائي أضحى صرحاً تربوياً جامعاً. وعلى الصعيد التعليمي أصبح يضم كليات وإختصاصات حديثة ومتنوعة. وعلى الصعيد الطلابي بات يجمع الطلاب اللبنانيين مع آخرين من مختلف الدول الإسلامية، حيث بات مقصدا للراغبين في التزود بالعلم، لما يقدمه من علومٍ نافعة سواءَ كان ذلك في علوم الشريعة والدراسات الإسلامية، أم في باقي الكليات بما فيها قسم الدراسات العليا.
أيها الأخوة
إنني أؤمن بأن الجامعة هي ركن اساسي في بناء شخصية الطالب وتأهيله للإنخراط في المجتمع من خلال تلازم الإعدادُ العلمي والمعرفي، مع التربية الإيمانية والإنفتاح الفكري والثقافي، وذلك كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه: "اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما". ولنا في قوله تعالى: "وقل رب زدني علما" خير دليل أن طلب الزيادة في العلم لا يتوقف مهما بلغ الإنسانُ في مراتبِ العلم أو العمر.
وبالإضافة إلى تمكين المتعلم من أدوات المعرفة، يجب العمل على تعميق الثقافة الوطنية الجامعة، وتعميق الوعي بالقضايا الوطنية الكبرى، وتكريس المبدأ الأساس في أن حب الوطن من الإيمان. ولا يكون ذلك إلا من خلال ندواتٍ حواريةٍ بين الطلابِ أنفسهم، وبينهم وبين ممثلينَ عن المجتمع المدني، وث ثقافة الانفتاح والتفهم والتفاهم والحوار الايجابي.
أيها الطلاب الاعزاء
بكم وبأمثالكم، وانتم النبتة المزروعة في أرض الوطن، تزهر المواسم عطاء، فازرعوا الارض الان لتحصدوا في المستقبل خيرا وفرحا وطمأنينة.
من خلالكم يكون الابداع، فلا تبخلوا بمواهبكم لتكونوا مبدعين بحضوركم وتفاعلكم في الداخل، ومع الخارج تكتسبون دورا لا تسمحوا لاحد بمنازعتكم عليه.
بمحافظتكم على القيم والمساهمة الفاعلة في تعزيزها ترتقون بلبنانكم الى المستوى الذي يليق به كبلد حضارة وتراث.
اقبلوا على العلم من دون حدود، لان الصراع الاتي في زمن السلم ، اذا جاء ،هو صراع الادمغة والمعرفة والتقنيات والابتكار...
كونوا اليوم أكثر من اي وقت مضى دعاةً للوحدة الوطنية وللإلتزام بقضايا الوطن، وشكّلوا خط الدفاع الأول عن مصالحه.
دافعوا بكل ما أوتيتم عن تعاليم ديننا السموح لأن ما يشهده العالم اليوم من موجات التطرف والإرهاب، التي تتخذ من الإسلام حجة وستاراً لها، لا تمثل الإسلام في شيء. ذلك أن السلم في الإسلام هو الأصل، وتحية الإسلام هي السلام عليكم، عملا بقوله تعالى"وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ". كما أن الدعوة للإسلام لا تكون بالسيف التزاما بالآية الكريمة "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" .
أيها الأخوة
في الوقت الذي توحي القوى العظمى عن اتفاقات في ما بينها من أجل انهاء الحروب في المنطقة تبدو المشاهد في الميادين مختلفة تماما إذ تشهد صدامات مباشرة او بالواسطة بين هذه القوى الكبرى، في الوقت الذي يبلغ الصراع الاقليمي أوجه على كل الساحات. ولئن استطاع لبنان الى اليوم تجنب الانزلاق في آتون الصراعات تبدو بعض القوى المحلية مندفعة للولوج اليه، فتطلق المواقف التصعيدية والأراء المتشنجة وتهدد بالويل والثبور وعظائم الامور. لهذه القوى نقول: كفوا عن التصعيد في الزمان والمكان الخاطئين واتقوا الله بلبناننا خاصة وأن كل تصعيد لن يجد خواتيمه في التاثير على مجريات الامور السياسية. فخطاب التوتير والاستفزاز والفوقية لن يحقق اية مكاسب لا لهم ولا للبنانيين الذين استفادوا من المظلة الدولية التي مكنت اللبنانيين من حماية أمنهم ووحدة أراضيهم، ولكن في نهاية الأمر لا يحمي البلد سوى اهله مهما تعاظمت ارادة القوى الدولية .
الاولوية الآن لحماية ما تبقى من مؤسسات عاملة وأولها الحكومة ، والمدخل الى كل مبتغى اللبنانيين هو في انتخاب رئيس للجمهورية واقرار قانون انتخابات واجراء هذه الانتخابات في موعدها واعتماد السبل الديموقراطة طريقا وحيدا لتحقيق الاصلاحات وضمان المكاسب.
الضمانات لا تكون الا بالعودة الى الكتاب والكتاب الآن هو دستور الطائف الذي لم يطبق كاملا حتى نحكم عليه، ولا نجد مناص من التمسك بهذا الدستور وتطبيقه بحذافيره حتى لا يشعر اي فريق بغبن أو استثناء.
لقد ثبت بالتجربة أن قطع سبل التواصل بين الاطراف السياسية وضرب الحوارات وتعطيل المؤسسات وتقطيع شرايين البلد على الأرض تجار ثبت عقمها عبر كل المحطات .
حماية الحقوق تكون بالتوحد والتلاقي والوقوف صفا واحدا من اجل حماية البلد واهله وحقوق مكوناته وصيانة دستوره.
أيها الأحباء،
بوركت الايادي التي زرعت شجرة مباركة الاصل والفروع . تحية الى مؤسس هذا الصرح سماحة الشيخ الدكتور رشيد، الى اولاده الطيبين رأفت وصلاح، الى أعضاء مجلس الامناء وجميع الاساتذة والعاملين .
بوركت طرابلس بشبابها وشاباتها خزان العلم والمعرفة، ترفد وطننا بالمتفوقين، جيلا في إثر جيل ...
ستبقى طرابلس، رائدة العيش المشترك، قناعة وممارسة، وسيبقى الطرابلسيون، طلائع بناة دولة القانون والمؤسسات.
عشتم، عاشت جامعة طرابلس
عاش لبنان.