كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في الحفل الإفتتاحي لجائزة عزم طرابلس الدولية لحفظ القرآن الكريم
الإثنين، ٢٠ آذار، ٢٠١٧
بِسْم الله الرحمن الرحيم
دولة رئيس مجلس الوزراء
صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية
أصحاب الدولة والمعالي والسعادة
أيها الحفل الكريم
قرآنٌ يخاطب الأذن فتسمع، يخاطب العين فتدمع، يخاطب الروح فتخشع.
قرآنٌ لو أنزل على جبلٍ لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، لا يشبع من علمه عالم، ولا من ضيائه متنوّر، ولا من حِكَمه طالب حكمة وعلم.
قرآنٌ جلل تاريخ طرابلس وحاضرها فأنجبت العلماء والمفكرين الذين ذاع صيتهم .ولأجلهم ووفاء لهم ولمن سيحمل من بعدهم المشعل أسمينا الجائزة (جائزة عزم طرابلس الدولية لحفظ القرآن الكريم) وأردنا أن تكون انطلاقتها اليوم بنفحة إيمانية من جامع محمد الأمين في بيروت أم الشرائع وقلب الوطن.
أيها الأخوة،
منذ بُعث محمد، صلى الله عليه وسلم، نبيّاً ومبشراً ونذيراً، والأمّة الإسلامية تعتني بالقرآن حفظاً وفهماً وتفسيراً وتعلماً وتعليماً، وأحمد الله أن سخّرنا نحن بتوجيه من شقيقي طه في "جمعية العزم والسعادة الإجتماعية" لنساهم في الدعوة إلى الإقبال على حفظ القرآن وتجويده ودراسة إعجازه والتفقّه بالأمور الشرعية ودراسة السنة النبوية وتعلمها وهذا فضلٌ من الله علينا ونعمة.
لا بد لي من شكر اللجنة المنظمة لهذه المباراة والمؤلفة من الدكتور عبد الإله ميقاتي، والصديق محمد بركات وشيوخ القراء الأخيار المشايخ محمود عكاوي، بلال بارودي وزياد الحاج. ولا يفوتني شكر دار العلم والعلماء بشخص الأخوين عبد الرزاق قرحاني ومروان شندب، حيث أثمرت جهودهم جميعاً وستظل بإذن الله تثمر خيراً كثيراً ما دام عنوان العمل العزم في الهمة وهدفه إيجاد السعادة في الأمة، فجزاهم الله على ذلك خيراً.
دولة الرئيس
أيها الإخوة
منذ انطلقت العزم وهي تتبنّى الوسطية، وهي ليست حكراً على فئة بعينها، أو تنظيم أو جماعة بل قاعدة شرعية التصقت بأمة الإسلام نصَّاً وروحاً، والوسطية ليست وصفاً لأمر بين شيئين، هي ليست مرتبة بين الكفر والإيمان، ولا بين الحق والباطل، بل هي ترفُّع عن كل باطل "وكذلك جعلناكم أمة وَسَطاً" التي تشهد على الناس وتقيم بينهم العدل والقسط، تتبع الفطرة بلا إفراط ولا تفريط. أمة وسط في التفكير والشعور، تعمل على الوصول الى التوازن الذي يعني الإلتزام الفعلي في النهج والأداء بكل ما للكلمة من معنى.
القرآن أيها السادة رسم طريق حياتنا فإستلهمنا من تعاليمه الصبر والأناة والدفع بالتي هي أحسن كما الحفاظ على عزة الناس وكراماتهم والمساواة فيما بينهم.
لست فقيهاً ولا أريد أن أتوسع بالفقه بل أردت مما قلته أن أدخل الى السياسة من باب الجدل بالتي هي أحسن.ما تحاملنا على مُخالف لنا، أو متميز عنَّا، أو رافض لأسلوبنا ، بل إخترنا الإقناع بالحجج، والسكوت عن الأذى والتعرض نهجاً ثابتاً، لأننا نؤمن بصوابية خياراتنا، وبمبادئ الوسطية والإعتدال والتسامح. وبينّت الأيام أنّنا لم نتنازل عن حقٍ أو ثابتة، بل عملنا على تخفيف المشقّات والنكسات، وواجهنا الغلوّ والتطرف بصبر المؤمن وبذهنية المستوعب ومن يرغب بحماية مجتمعه من تلك الآفات.
دولة الرئيس
إخواني
لن أحدِّثكم بما تعرفون عن أحوال الأمة التي تختزن أغلب نزاعات الكونِ وفيها أكبر عدد من ضحايا الحروب واللاجئين والنازحين،
ولن أحدِّثكم عن الدمار البنيوي والإنساني اللاحق بنا ففي ذلك توصيفٌ لحال وشكوى، والشكوى لغير الله مذلة، لذا من واجبي أن أقول آن لهذا التشظي أن يتوقف وآن لنا أن نجترح السبيل للخروج من هذه الدوامة القاتلة، التي تنذر بمستقبل قاتم لأجيال ستأتي من بعدنا، ما يستدعي وضع خطة جماعية تقوم على التحلي بأخلاق الدين الحنيف وكفى بسيد الخلق وأدائه نموذجاً يحتذى.
آن الأوان لخطة تقبل التعددية وتنظر إليها بإيجابية وتعيد الإعتبار لقضيتنا المركزية فلسطين وعاصمتها القدس ملتقى الأديان السماوية ومسرى الرسول عليه السلام.
هذا ما تعلمناه من كتابنا المنزل ، كتاب السلام والمحبة ، ومن صفات المؤمن الحقيقي أنه لا يعرف التعصب، ولا تستطيع قوى التخلف والتطرف أن تحرف هذه الرسالة، أو أن تحيدنا عن طريق الإعتدال والمودة والرحمة.
لتتجه جهودنا الى بناء قلعة شامخة للعلم والعدل والرحمة ، بدلاً من بناء معتقلات الحقد والفتن والكراهية التي تدمر صورة الإنسان في أمتنا.
دولة الرئيس
أيها الحفل الكريم
الحوار تعريفاً هو الجدل بالحسنى الذي يُشعر الآخر بالإحترام ويُطمئنه الى الرؤية والإتجاهات المشتركة والاعتراف المتبادل بالخصوصيات، ونحن في لبنان لدينا قناعة ثابتة بأن الحوار ضرورة وطنية دائمة على أن يقوم أولاً على المصارحة وتطمين الآخر والإطمئنان إليه. وفي السياسة أيضاً ومنذ البدايات، بنينا الجسور مع كل الأطراف واعتمدنا الحوار طريقاً.
دولة الرئيس سعد الحريري
"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ". إنني، من على هذا المنبر، وفي حفلٍ يعبق بالقرآن أؤكد لك أنه، لا عداوة بيننا وبين أي شريك لنا في الوطن ولن تكون بل إختلاف في المقاربات، ولعل في ذلك فائدة للبنانيين. فإختلاف الأئمة فقهاً رحمة للأمة، ولعل إختلاف المقاربات في السياسة أيضاً دون حقدٍ أو عداوةٍ أو تنازع، هو في مصلحة الديموقراطية ومصلحة أهلنا و لبنان عامة الذي نريده وطن رسالة للعالم أجمع.
إن تلاقينا، كمكوِّن لبناني آمن بالعيش الواحد، وناضل من أجل تثبيت عروبة لبنان وتشبث بالمناصفة، هو واجب علينا جميعاً. أبدأ بنفسي، وبدولتكم وبكل الأطراف الوازنة الأخرى التي تلتزم ثوابتنا، بعيداً عن أي استحقاق آني أو ظرفي، ولا ننسى الدور الوطني الكبير لدار الفتوى، والجهد الذي يبذله صاحب السماحة المفتي الدكتور عبد اللطيف دريان في سعيه الدائم لتعزيز التلاقي بين الجميع مع إحترام كل طرفٍ للآخر وتقدير قيمته وكبريائه والإعتراف بخصوصياته. حسبنا في هذا الأمر أننا نستلهم نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن سبقونا في الوصل والاستيعاب، وتفهم هواجس الاخرين.
إن تشتُّتَنا، يا دولة الرئيس، يضعنا في موقع الضعف، فيما وحدتنا تقوينا وتمنع إنزلاق الوطن إلى مهاوي الفتن وضياع الهوية والدستور.
وما دمنا محافظين على ثوابتنا، فلا مكان للإحباط في قاموسنا بإذن الله، فنحن كنا، وسنبقى أمام أهلنا، ندافع عن الحق، ونحمي وطننا وأرضنا ونكرّس وجود لبنان وطن الرسالة والعيش الواحد بين جميع أبنائه.
وما لقاؤنا اليوم في دارتكم مع اصحاب الدولة رؤساء الحكومة السابقين و بدعوة كريمة منكم الا خطوة مشكورة على الطريق الصحيح نحو مزيد من التلاقي نامل متابعتها لما فيه خير أهلنا ووطننا.
صديقي سعد: رعايتك لهذا الحفل رسالة ودٍ ولن نبادل الود إلا بمثله.
أيها الحضور الطيب والعزيز،
أيها المتسابقون،
إملأوا الأرض والسماء برسالة القرآن في السلام والمحبة ،
إفتحوا القلوب والصدور للأمل بعزم المؤمن الواثق بقدراته، المحب للناس، المعطاء كي يكون حاضرنا أفضل من ماضينا ومستقبل أبنائنا أرفع وأرقى.
ربنا تقبّل منّا حُسن أعمالنا، واعفُ عنَّا، واغفر لنا، وارحمنا بواسع رحمتك، إنك أنت الغفور الرحيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته