قطيعة...أَم «أَضرار جانبية»؟
الأربعاء، ٢٣ آب، ٢٠١٧
جريدة التمدن
كيف يمكن توصيف العلاقة السياسية بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، بعد الاستهداف الخاطىء، في الزمان والمكان، الذي قام به النائب عقاب صقر للرئيس نجيب ميقاتي، بشكلٍ عشوائي خارج السياق السياسي، المرتبط (أساساً) بدفاع صقر عن نفسه في مواجهة حملة كانت تُشن عليه. وقد جاء كلام نائب زحلة في مؤتمر صحافي عقده في «بيت الوسط».
أولاً، من الطبيعي أن لصقر الحق في مواجهة حملة تُشن عليه من قبل بعض أطراف فريق «الثامن من آذار»، وتتعلق بـ «الإشارة إلى أنني غادرت على أثر خلاف، وبأنني لن أعود إلى لبنان باعتبار انه حصل خلاف مع المملكة العربية السعودية، وبأنه طُلب سحبي من لبنان، وأنني أملك جواز سفر قطرياً، وأنني أقاتل في سوريا فيما أظهروا صورة، قالوا إنها لي، فيما هي صورة جندي روسي، وموجودة على مواقع تابعة لمواقع روسية ومواقع سورية تقول انها التُقطت في مصالحة في تلبيسة في ريف حمص مع أحد إعلاميي جيش التوحيد، ولا أعرف كيف ظهرت أنا بصفتي الجيشي الروسي في البزة الروسية».
لكن، في المقابل، ما هو ربما غير طبيعي، في هذه المرحلة تحديداً، ان يقفز النائب صقر من دفاعه عن نفسه، في مواجهة تلفزيون «المنار» وجميل السيد، إلى كلام يُعتبر في هذه اللحظة السياسية «المستقبلية» التسوويّة شبه «غريب»، فيقول مثلاً إن الجيش اللبناني مُنع من قبل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في السنتين الأوليين من الثورة السورية من التصدي للمسلحين الذين أصبحوا جبهة «النصرة» في عرسال والشمال، معتبراً ان قراراً سياسياً أخذته حكومة ميقاتي وأبلغته للجيش اللبناني بعدم التحرك وترك أبو مالك التلي يؤسس خليته الارهابية ويقتل العسكريين».
يقول عقاب صقر هذا الكلام في لحظة سياسية حالية لا تساعد أبداً في إعطاء المصداقية لفكرته وذلك لعدة أسباب:
دور الجيش
من المعروف أن الوضع السياسي والأمني في الأعوام الأولى للثورة السورية كان مضطرباً في لبنان، فيما كان الجيش يحاول احتواء الوضع الجديد الناجم عن تدفق النازحين السوريين الهاربين من بطش النظام السوري وقمعه وإجرامه، وهذا الجيش عندما كان يتجنب القيام بعمليات عسكرية في تلك المرحلة، كان يعتمد أولاً فكرة النأي بالنفس، خاصة في غمرة النزوح وأعداده الفظيعة في منطقة عرسال والتداخل بين المدنيين والناشطين المعارضين والمسلحين، والفلتان الامني على الجانب الآخر من الحدود التي معظمها غير مرسّم، وكان يتعمد استعمال الحكمة في التعاطي مع الحالة الجديدة وليس التهور والاندفاع الذي كان سيضعه في ذلك الوقت في موقع المعادي للمعارضة السورية السلمية التي كان معظمها خارج العسكرة (في الوقت الذي كان فيه «حزب الله» يريد توريط الجيش في المعارك المرتبطة، بطريقة أو بأخرى، بالداخل السوري)، يضاف إلى ذلك ان الجيش كان في تعاطيه الحكيم والمتزن يراعي التوازنات اللبنانية الداخلية وخاصة موقف «14 آذار» في موضوع النازحين والناشطين المدنيين المعارضين السلميين، وفي موضوع الضباط والجنود المنشقين عن جيش الاسد، والذين قرروا النزوح باتجاه لبنان هرباً من سجون النظام، فهذا هو سبب موقف الجيش في تلك المرحلة وليس أبداً كما قال صقر في معادلته الغريبة والظالمة وغير العادلة، انه «كان ينفذ أوامر حكومة ميقاتي لترك أبو مالك التلي يؤسس خليته الارهابية ويقتل العسكريين».
«التنازلات»
وفي ما يتعلق بمكان وزمان المؤتمر الصحافي لصقر، فهو فعلياً وحقيقةَ وبصدق، في المكان الخطأ (بيت الوسط)، وفي الزمان الخطأ، فلا يمكنك اليوم، بعدما انتخبت (كتيار سياسي) رئيساً للجمهورية مرتبطاً بشكل وثيق جداً بـ «تفاهم» مع «حزب الله»، وبـ «أجندة» هذا الحزب، المحلية والاقليمية، وبعدما قبلت بحكومة يُشكِّل فريق «حزب الله» وحلفائه الغالبية فيها، وبعدما قبلت بتسلّط صهر العهد، «الوصي» جبران باسيل، على قانون الانتخاب والتعيينات والتشكيلات والإقالات (عبدالمنعم يوسف وشكري صادر على سبيل المثال) والتلزيمات (اليوم الكهرباء وغداً النفط والغاز)، وبعدما فتح «حزب الله»، عسكرياً، على حسابه في عرسال، وهو وحلفاؤه «تطبيعاً وزارياً» باتجاه النظام السوري ... لا يمكنك في ظل هذه الأمور، وفي خضم هذه اللحظة السياسية بالذات، المليئة بالمواقف المذكورةسابقاً وما يشبهها (والتي قد تستطيع إيجاد مبررات ذاتية وموضوعية لها خاصةً في المناخ التراجعي الذي تعيشه المنطقة)، لا يمكنك الحديث عن «تنازلات حكومة ميقاتي».
دفاع عن النفس
لكن، من الواضح جداً أن المؤتمر الصحافي للنائب عقاب صقر كان على طريقة «عم بحكيكي يا جارة تاتسمع الكنة»، فهو شدد في أكثر من نقطة على أن الحملة ليست موجهة ضده هو شخصياً وإنما ضد الرئيس سعد الحريري، وكأنه يريد من خلال هذا المؤتمر ان يُقحم الرئيس الحريري في معاركه الجانبية الفردية، خاصة في ظل جو سياسي أدى وقد يؤدي إلى إبعاد المزيد من «صقور 14 آذار». فبدا المؤتمر الصحافي وكأنه مجرد دفاع مسبق عن النفس، عبر رفع السقف.
فمن كلام صقر في المؤتمر يمكن اقتطاف مقاطع تصب في هذا الاتجاه، مثل قوله إن «هناك حملة منظمة على «تيار المستقبل» وعلى الرئيس سعد الحريري هدفها النيل من التيار الذي أثبت انه الصخرة الصامدة بدعم مشروع الدولة في وجه مشاريع دعم الدويلة».
وقوله أيضاً إن «هذا الهجوم يستهدف الرئيس الحريري ولا يستهدفني شخصياً لأنه عقبة وشوكة في أعينهم».
وقوله إن «كل هذه العملية هي للتصويب على سعد الحريري لأنه يقف عقبة أمام مشروع الهيمنة الايرانية على الهلال الذي يمتد من العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان وينتقل إلى فلسطين، ومن هذه المشكلة يستهدفون كل فريق الرئيس سعد الحريري لإصابته».
وتشديده على «أننا سنستمر في الخط نفسه مع الرئيس الحريري وخلفه، كل ما قام به ويقوم به موافقون عليه وليس هناك أي خلاف لا في صفوفه ولا في تيار المستقبل ولا غيره، ومن يخيّط في مسلة مشكلة مع الرئيس السنيورة فيلعب بغيرها ، فلا مشكلة ضمن فريق الحريري ولا عملية توزيع أدوار».
وتأكيده انه ينتمي «إلى فريق سياسي يقوده سعد الحريري ويعمل على تشكيل قاعدة لحماية لبنان من الأخطار الخارجية وحماية الحياة السياسية اللبنانية»... وهكذا دواليك في مؤتمر صحافي طغت عليه نزعة الدفاع عن النفس في مواجهة الأبعدين، وأيضاً في مواجهة الأقربين، الذين قد يرون في إبعاد صقر خطوة ضرورية في إطار التسوية القائمة.
العلاقة بين الحريري وميقاتي: الى أين؟
والآن... ماذا عن العلاقة بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، بعد المؤتمر الصحافي للنائب صقر والردود المتبادلة التي أعقبته، وهل يتسبب هذا المؤتمر الصحافي وما قيل خلاله (في الشق المتعلق بالرئيس ميقاتي) بقطيعة بينهما، أم أن أضراره تبقى جانبية، علماً أن الرد الأخير لصقر، والذي قال فيه إن ميقاتي لم يكن هدف المؤتمر، عبّر عن ارادة «المستقبل» بإغلاق هذا النقاش لأنه يأخذ الأمور بالاتجاه الخطأ، ويُفقد المؤتمر الصحافي لصقر زخمه وحجته ويضيع بوصلته؟
الى اين تتجه العلاقة بين الرجلين اللذين خاضا معركة الانتخابات البلدية الأخيرة متحالفيَن، ثم جرى تقارب في رمضان 2016، عندما زار الحريري منزل ميقاتي في الميناء داعياً إياه إلى إفطار جامع في معرض رشيد كرامي الدولي والذي حضره ميقاتي شخصياً، ثم جاء التعدي على مقام رئاسة الحكومة أمام السراي والذي تطلب من رؤساء الحكومات السابقين، ومن بينهم ميقاتي أن يؤازروا الرئيس الحريري عبر لقاء عُقد في «بيت الوسط»، ثم كان احتفال افتتاح «جائزة عزم طرابلس الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده» في آذار الماضي، في العاصمة بيروت وتحديداً في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسجد محمد الأمين، برعاية وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، وقد أصر ميقاتي على هذه الرعاية وعلى هذا الحضور، والقى وقتها كلمة قال فيها: «لا عداوة بيننا ولن تكون»، كذلك حضر ميقاتي إفطار السراي الحكومي الذي دعا اليه الحريري في رمضان الماضي (2017.)
وفي ما يتعلق بالسجال «الناعم» الذي جرى في طرابلس بين الرئيسين (يوم تدشين محطة التحويل الكهربائية)، فلقد بدأ بانتقاد ميقاتي أمام زواره في طرابلس اداء الحكومة الحالية، واستكمله الحريري عبر «تويتر» سائلاً عما أنجزته حكومة ميقاتي، فكان جواب ميقاتي القول إن الموضوع ليس للمبارزة وانما لمعرفة ما تم تقديمه والرأي العام يحكم، فجاء رد الحريري بأن الجواب لن يتأخر merci.
أخيراً، يبدو واضحاً، في ظل قانون الانتخاب الجديد، أن مصلحة كل واحد من الرجلين تقضي بأن يشكل لائحته الخاصة، وألا يتحالفا، لكن أليس ممكناً أن تُخاض الانتخابات بلا شدّ للعصبيات الغرائزية والتهشيم الشخصي؟