لماذا اختار ميقاتي أن يكون آخر المتكلمين؟
السبت، ١٦ شباط، ٢٠١٩
لبنان 24 - اندريه قصاص
على إمتداد خمس جلسات، صباحية ومسائية، التي كان من المفترض أن تكون مخصّصة حصرًا لمناقشة البيان الوزاري، الذي تلاه رئيس الحكومة سعد الحريري، في بداياتها، وهو كان قد وزّع على النواب قبل 48 ساعة للتمعن به، وتفصيل ما ورد فيه وتصحيح ما يجب تصحيحه أو زيادة أفكار، قد يكون سها عن بال واضعيه لحظها، وهم الذين كانوا على عجلة من أمرهم، كان الرئيس نجيب ميقاتي، ومن خلال فريق عمله، يدوِّن ملاحظات النواب، الذين تناوبوا على الكلام، ولهذا السبب إختار أن تكون كلمته مسك الختام قبل ردّ رئيس الحكومة، الذي طلب في نهايته ثقة المجلس بحكومته، فضلاً عن سبب آخر، وهو أراد بذلك توجيه رسالة واضحة المعالم، وهو الذي كان طوال فترة أزمة تشكيل الحكومة إلى جانبه، وأمّن له الحصانة الكافية، مع رؤساء الحكومات السابقين، للحؤول دون السماح لأي كان بتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة ومقام رئاسة الحكومة، وكذلك الحفاظ على صلاحيات الرئاستين الأولى والثانية، بالقدر ذاته، إنطلاقاً من إيمانه بأن الدستور، وهو الذي ينظّم عمل المؤسسات ويفصل بين السلطات، هو المرجع الصالح لإعادة بناء الدولة على أسس سليمة وصحيحة، لا زغل فيها ولا تجاوز لروحيته ومضمونه، ما دام لا يزال الوحيد المعمول به حتى اللحظة.
من هنا جاء إختيار هذا التوقيت، وهذا ما سيتوضح أكثر في الملاحظات، التي إستند إليها الرئيس ميقاتي في كلمته المقتضبة، والتي تحمل في طياتها الكثير من الرسائل والمضامين، التي يمكن التأسيس عليها للمرحلة المقبلة، ومن بين هذه الملاحظات:
أولاً، اختار الرئيس ميقاتي بأن يكون آخر المتكلمين ليقول لبعض الذين سبقوه إلى المنصّة نفسها أن محاسبة الحكومة تكون على ما ستقوم به في المرحلة الآتية، وأنها لا يمكن أن تكون حكمًا مسبقًا على النوايا، وهي كما وردت في البيان الوزاري تؤكد تصميم الحكومة على العمل، وهي التي إختارت شعارًا لها "إلى العمل"، وليقول لرئيسها بأنه سيكون إلى جانبه ويدعمه عندما تصيب حكومته وتنجز، ولكنه سيكون صادقًا معه عندما تقصّر حكومته، وبالأخص في ما يتعلق بالمشاريع التي لها علاقة مباشرة بطرابلس، وهي المحرومة من مشاريع الإنماء، والتي كانت مقررة منذ سنوات ولا تزال نائمة في أدراج النسيان، وقال:" الحكومة الماثلة أمامنا ممنوع ان تفشل، واقول هذا الكلام ليس من باب المهادنة او المسايرة، وعلينا جميعا أن نشبك الأيادي لانقاذ البلد، وهذه رسالتي للجميع".
ثانياً، لم يخفِ الرئيس ميقاتي إستغرابه ممن كانوا "مستقتلين" للدخول إلى الحكومة، قبل أن تتشكل، فيما يُلاحظ أن لا همّ لهم سوى جلد هذه الحكومة والتركيز على تصفية الحسابات والرواسب الماضية، تمامًا كالمفلس، الذي ينكب على مراجعة دفاتير جدّه القديمة لعله يجد فيها ما لا قدرة عليه في وقته الراهن.
وبذلك يكون الرئيس ميقاتي، وهو الذي كان رئيساً لحكومتين ويعرف تمام المعرفة ماذا يعنيه هذا الكلام التيئيسي وما يصاب به الناس من إحباط لا تكون الحكومة الجديدة مسؤولة عنه "بينما لم نر بعد خير الحكومة من شرها"، في موقع المدافع ليس عن الحكومة الجديدة، بل عن صورة الدولة، التي لا همّ لدى البعض سوى تعريضها للتشويه، ودفع الناس إلى مزيد من فقدان عامل الثقة بينهم وبين دولتهم.
ثالثاً، لا يعني دعم الحكومة الوقوف على الحياد بل "سنضع جداول واضحة لنراجع الحكومة على أساسها لا سيما في المواضيع التي تتعلق بالهيئات الناظمة وتعيين مجالس ادارة والنفط"، وذلك بعدما حدّد الرئيس نبيه بري جلسات عامة شهرية للمجلس.
رابعاً، ثمة 27 مادة في الدستور لم تطبق، ومن بينها: إلغاء الطائفية السياسية وإنتخاب مجلس النواب خارج القيود الطائفية، وإنتخاب مجلس شيوخ يحفظ حقوق الطوائف، واللامركزية الادارية والتنمية الشاملة والمداورة في مناصب الفئة الاولى.
خامساً، في ما خصّ موضوع العفو العام، إعتبره مهماً جداً ويجب القيام به في أسرع وقت لأنه يرفع الظلم عن الكثير من اللبنانيين القابعين في السجون من دون محاكمة. الأساس لدينا إحقاق الحق لطرابلس وإنصافها وهناك الكثير من أبنائها في السجون، والتلاقي الذي يحصل بيننا وبين سائر النواب في طرابلس، من المؤكد أنه سيوصلنا الى تحقيق ما يصبو اليه أهلنا".
سادساً، بدا حريصاً على موقع رئيس الجمهورية وصلاحياته، وهو الذي إشتكى ومن بكركي بالذات من أعراف وتقاليد لا تمت بصلة إلى الدستور في عملية تشكيل الحكومة، وهو ردّ على بعض نواب "التيار الوطني الحر"، الذين قاطعوه، مؤكدًا إحترامه لشخص الرئيس ومقامه أكثر بكثير ممن يغالون في المزايدة الكلامية.