
الرئيس ميقاتي من دار الفتوى: عندما نتمسك نحن بالدستور وإتفاق الطائف، فليس لمصلحة طائفة بل لمصلحة الوطن
الإثنين، ١٨ آذار، ٢٠١٩
أكد الرئيس نجيب ميقاتي أنه "عندما نتمسك بالدستور وبما نتج عن إتفاق الطائف فليس الأمر لمصلحة طائفة بل لمصلحة الوطن"، مشيراً الى "أن الدستور لا يجوز أن يطبق إنتقائياً، وأن يتم إنتقاء المواد التي يجب تطبيقها أو عدم تطبيقها، ولا يمكن تنفيذه بهذه الطريقة بل يجب تطبيقه كاملاً، وهو يحمي الطوائف ويشكل خطوة أكيدة نحو لبنان الحداثة".
أما مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان فأكد "أننا في لبنان إتفقنا على صيغة للعيش الواحد بين مكونات الشعب اللبناني، ونحن نحافظ على هذه المكونات في إطار الاحترام المتبادل، ولا نتدخل في الخصوصيات الدينية للطوائف، وإنما الذي يعنينا هو رسائل المحبة والتسامح والود والعيش بكرامة في ما بيننا". وشدد على " أننا نفتخر نحن أبناء لبنان بأننا صدّرنا الى الشرق الأوسط والى العالم هذه الصيغة الفريدة المتنوعة التي نعيشها كعيش مشترك. لن نسمح في لبنان لأي خطاب متطرف، كما وقفنا سداً منيعاً في السابق وشجبنا وحاربنا التيارات التكفيرية ونحن سائرون على هذا المنهج، الوسطية والإعتدال".
وكان المفتي دريان، رعى في حضور الرئيس نجيب ميقاتي وشقيقه طه، توقيع تقديم هبة من "جمعية العزم والسعادة الإجتماعية" للمديرية العامة للأوقاف الإسلامية وذلك في حفل أقيم في دار الفتوى بحضور محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي والوزير السابق وليد الداعوق ورئيس المحاكم الشرعية السنية الشيخ محمد عساف وأعضاء المجلس الشرعي والمجلس الإداري لأوقاف بيروت وعلماء ومسؤولين في جمعية العزم والسعادة ولجنة مسجد الصحابي عبد الرحمن بن عوف ورؤساء جمعيات وروابط وفعاليات إسلامية وشخصيات.
ووقع الإتفاق عن الأوقاف الإسلامية مديرها العام الشيخ محمد أنيس الأروادي، وعن "جمعية العزم والسعادة الإجتماعية" مديرها العام رياض علم الدين، وبموجبه قدمت جمعية العزم أسهماً في العقار الملاصق لمسجد الصحابي عبد الرحمن بن عوف التابع للأوقاف الإسلامية في منطقة رأس النبع لتنفيذ مشروع توسعة المسجد.
كلمة المفتي دريان
وبعد التوقيع رحب المفتي دريان في كلمته بالرئيس نجيب ميقاتي وبالحضور، وثمّن الخطوة التي قامت بها جمعية العزم والسعادة في تقديم هبة لتوسعة مسجد الصحابي عبد الرحمن بن عوف، وقال: من ساهم في بناء المساجد أو توسعتها فله أجر عظيم وتعتبر صدقة جارية، فهنيئاً لمن سعى وبادر الى هذا العمل في فعل الخير وبارك الله بالرئيس نجيب ميقاتي وشقيقه الحبيب طه على كل ما يساهمون به في طاعة الله ورسوله.
وقال "في هذا اللقاء الجامع، اللقاء الذي تمت الدعوة إليه من منطلق إيماني، ومن منطلق وطني. قبل قليل تم التوقيع على تنازل وهبة لأسهم يملكها دولة الرئيس نجيب ميقاتي في المبنى الملاصق لجامع عبد الرحمن بن عوف الصحابي الجليل، وذلك لكي تتم التوسعة لهذا المسجد في منطقة عزيزة علينا، منطقة رأس النبع. كان دولة الرئيس نجيب ميقاتي حريص كل الحرص على أن تكون هذه الأسهم تتصرف بها كيفما تشاء المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، وكان حريصاً جداً أثناء حديثي معه عن هذا الأمر قائلاً لي "لا تحرمني من الأجر في توسعة المسجد الذي أحببت".
أقول لدولة الرئيس نجيب ميقاتي ولشقيقه طه "جزاكم الله خيراً على ما تقدّمتم به خدمة لبيت الله، وعلى ما تقومون به أيضا خدمة لبيوت الله في بيروت وفي طرابلس، لا بل في كل لبنان"، هذه العائلة الكريمة الطيبة التي تربت على روح العطاء وروح الإيثار وروح التقديم لمجتمعها، لا تميّز بين مسلم وغير مسلم، بل تقوم بالعمل الإجتماعي في نطاق إنساني واسع وشامل، والتقديمات التي تقوم بها مؤسسات العزم والسعادة تقديمات يشهد الجميع بأنها تقديمات إنسانية بامتياز. هذا المسجد إن شاء الله، مسجد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، سيكون إن شاء الله معلماً إسلامياً كبيراً في منطقة نعتز بأنها منطقة جامعة للعيش المشترك.
أضاف: ما حدث في نيوزيلاندا، أمر فظيع يفوق كل التصورات، عمل إرهابي حاقد ينمّ عن كراهية ليس فقط للمسلمين، بل لكل الأديان، إستنكر الجميع ما حصل، ولكننا نحن معنيون بهذا الأمر، ومعنيون أيضا بنزع الكراهية والحقد من نفوس أجيالنا، لقد جمعتنا مع شركائنا المسيحيين في هذا الوطن وفي العالم تواريخ فيها صفحات بيضاء مشرقة، وفي هذا التاريخ أيضاً بعض الصفحات السوداء التي دفعنا جميعاً ثمن الحقد والكراهية التي تُزرع في نفوس الأتباع. دعونا ننظر الى التاريخ بغير النظرة التي نظر إليها القاتل الإرهابي في نيوزيلاندا، علينا أن نمزق الصفحات السوداء، وعلينا أن نبني على الصفحات البيضاء المشرقة من أجل السلام والمحبة والمودة والإنفتاح التي تدعو إليها جميع الأديان. الكراهية والإسلاموفوبيا تنتشر بسرعة في البلاد الغربية، ونحن نقول من خلال لقاءاتنا والتي تمت في الدول الأوروبية وأثناء مؤتمراتنا "تعالوا جميعاً على اختلاف أدياننا لنتعارف ومن ثم لنتفاهم على طريقة وفقه للعيش المشترك". لم يعد هناك دول أُحادية الانتماء الديني، هناك تعدد وتنوع في أكثر الدول، ما نريده نحن وما نوصي به المسلمين المتواجدين في هذه الدول "عليكم الحفاظ على إنتمائكم الديني في ظل الإنفتاح على الآخرين، وفي ظل الإتفاق على طريقة للعيش تحمي الجميع"، لا نريد مجتمعات فيها أحقاد وفيها كراهية وفيها قتل وفيها إهدار للكرامات الإنسانية. ما حدث هو برسم الجميع، علينا أن نتنبه لما هو قادم، لأنه في النهاية ليس فقط الإسلام هو المستهدف أو المسلمين هم المستهدفون، المستهدف هو الأديان وأتباع الأديان. نحن في لبنان إتفقنا على صيغة للعيش الواحد بين مكونات الشعب اللبناني، ونحن نحافظ على هذه المكونات في إطار الإحترام المتبادل، نحن لا نتدخل في الخصوصيات الدينية للطوائف، وإنما الذي يعنينا هو رسائل المحبة والتسامح والود والعيش بكرامة في ما بيننا، نحن نفتخر كلبنانيين أننا صدّرنا الى الشرق الأوسط وإلى العالم هذه الصيغة الفريدة المتنوعة التي نعيشها كعيش مشترك، لن نسمح في لبنان لأي خطاب متطرف، كما وقفنا سداً منيعاً في السابق وأدنّا وشجبنا وحاربنا التيارات التكفيرية ونحن سائرون على هذا المنهج، الوسطية والإعتدال، والقيم الخلقية هي رسالة الأديان جميعاً، وهي من صميم رسالتنا الإسلامية، نحن لا نريد إلا أن نتعايش في مجتمعات متعددة ومتنوعة، نحن حملة رسالة، هذه الرسالة هي رسالة الرحمة، ورسالة الأخلاق، ورسالة الكرامة الإنسانية، نريد أن نحياها في مجتمعاتنا المتعددة والمتنوعة، وهذه الرسالة علينا واجب ديني أن نبلغها للعالم أجمع ولكل الناس. ما حدث مؤلم، ونحن ننتظر المنهج الواضح من أجل مكافحة ومحاربة الكراهية بين البشر وبين أتباع الديانات، لا يمكن لنا إلا أن نكون نحن المسلمين إلا حملة رسالة سلام ومحبة لكل الناس، وهذا ما أُمرنا به. أن يُقتل الأبرياء الذين يتعبدون الله في يوم هو عيد للمسلمين في مسجدين في نيوزيلاندا هو أمر في غاية الخطورة، علينا جميعاً أن نتنبه لما يحاك ضد الأديان، وما يحاك ضد المسلمين، علينا جميعاً أن نكون بالفعل مؤمنين حقاً برسالة أدياننا من أجل كرامة إنساننا مهما كان إنتماؤه الديني. لن أطيل في هذا الموضوع، فقد تكلم الجميع فيه، وسنبقى نتكلم فيه حفاظاً على الرسالات الدينية المتعددة والمتنوعة في شرقنا الأوسط وفي الدول الغربية، أنتم تعلمون أن لدينا مندوبين لدار الفتوى في كثير من الدول الغربية، وصيتي كانت دائماً لهم أنكم لا تخرجوا عن قوانين هذه الدول، في الدرجة الأولى. الأمر الثاني، كونوا حملة رسالة الإسلام الى المجتمعات وشاركوا أيضاً في التلاقي مع غيركم، مع غير المسلمين لكي تتفقوا أيضاً على فقه للعيش كي نبني جميعاً حضارة السلام، ونبني جميعاً ونحمي السلم الأهلي في العالم.
علينا أن نهتم بتوعية الساجد حتى يكون مثالاً للمواطنة الحقة في بلد فيه 18 طائفة دينية ومذهبية، نحن لن نحيد أبداً عن منهجنا وتوجهاتنا، ونحن دائماً لا نقول إلا كلمة الحق، وهذه الكلمة كلمة الحق يجب أن يرضى بها الجميع. نأمل جميعاً أن نتعدى الأزمات التي نعيشها في وطننا لبنان، وهنا أنا أنوه بالدور الوطني الكبير لدولة الرئيس نجيب ميقاتي في الحفاظ والدعوة الى التمسك بالدستور وإتفاق الطائف. الصلاحيات الدستورية معروفة لدى الجميع. إن تمسّكنا بها جميعاً يمكن أن تكون مؤسسات الدولة هي مؤسسات منتجة لمصلحة البلد ولمصلحة اللبنانيين. دولة الرئيس نجيب ميقاتي، شكراً على الهبة الكريمة، وشكراً على مواقفك الوطنية الكبيرة، ونحن نثمّن جداً لقاء رؤساء الوزارة الذين يمثلون صمام الأمان في هذا البلد.
كلمة الرئيس ميقاتي
وقال الرئيس نجيب ميقاتي في كلمته: إن هذه الدار هي حقاً دار جامعة، جامعة للوجوه الطيبة وللحث على عمل الخير، وأضفت إليها اليوم يا صاحب السماحة هذا الكلام الطيب الذي تفضلت وقلته. هذا الكلام هو بحد ذاته نهج وسياسة إنفتاح على الجميع يجب إرساؤهما في كل لحظة لكي يعلم الجميع ما نكنّه من محبة، بعيداً عن البغضاء والخوف من الآخر. كلامكم هو كلام الإنسان الذي يعرف الدين الإسلامي على حقيقته، وكل من يعرف جيداً هذا الدين لا يكون إلا كما تفضلتم وقلتم، إنطلاقاً من أسس التقارب والمحبة ونبذ كل ما يؤدي الى التفرقة. لبنان نموذج لا يمكن أن يبنى وأن يقوم إلا بهذه الرؤية وهذه النفسية الطيبة التي تفضلتم وعبرّتم عنها.
ما حصل في نيوزيلندا أمر مأساوي بكل معنى الكلمة حيث تم إستهداف أشخاص كانوا يؤدون صلاة الجمعة بكل نية طيبة وتقرب من الله الواحد. ولا ننسى أيضاً أنه في كل أسبوع لدينا همّ آخر هو هم جامع الأقصى، حيث يمارس العدو الاسرائيلي كل الضغوط على المصلين وعلى أهلنا في فلسطين. ولكن أنا على يقين بأن ما تفضلتم وقلتموه يمكن أن يكون باب الخلاص ورسالة لكل من يتوهم أفكاراً خاطئة عن الإسلام، مؤكدين ثوابتكم التي تعبر عن صورة الإسلام الحقيقي.
أما في السياسة فأقول: صاحب السماحة ما نقوم به هو دور وطني يجمع أهل مجتمعنا بناء لنصائحكم الدائمة وإرشاداتكم بأنه يجب أن نكون يداً واحدة في هذا الظرف. وعندما نتمسك نحن بالدستور وبما نتج عن إتفاق الطائف، فليس الأمر لمصلحة طائفة بل لمصلحة الوطن ككل. الدستور لا يجوز أن يطبق إنتقائياً، وأن يتم إنتقاء المواد التي يجب تطبيقها أو عدم تطبيقها، ولا يمكن تنفيذ أحكام الدستور بهذه الطريقة، بل يجب تطبيقه كاملاً، وهو يحمي الطوائف ويشكل خطوة أكيدة نحو لبنان الحداثة الذي نتمناه.
أشكركم بإسمي وإسم أخي طه على هذا الاستقبال، لأن جامع الصحابي عبد الرحمن بن عوف، وكان سابقاً يعرف بإسم جامع الصيداني، يعني لنا الكثير ونحن بإذن الله سنبقى على هذا النهج، وكما رمّمنا جامع عساف قبل سنوات، سنفتتح قريبا قاعة الحاج عزمي ميقاتي في الجامع العمري الكبير والمتحف الإسلامي الذي وعدنا به، وقمنا، بحمد الله، بإنشاء جامع العزم في طرابلس وجامع العزم في القلمون وجامع الظافر في طرابلس. ونحن بصدد القيام بأعمال ترميم أساسية لجامع العطار في طرابلس إضافة الى إصلاحات أساسية في عدة مساجد في مدينة طرابلس. كل هذه الأمور ستكون إن شاء الله لمزيد من التضامن ولكي يتيقن المصلون أن، في سجودهم، تقرّب من الله وليس حقد وبغضاء. ومن خلال التوسعة التي نقوم بها الآن في مسجد عبد الرحمن بن عوف ستكون حتما يدنا ممدودة مع الجميع في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله في هذا الوطن.
وفي الختام قدمت لجنة توسعة مسجد عبد الرحمن بن عون للمفتي دريان وللرئيس ميقاتي ولكاتبة العدل بالتكليف مريم قليلات هدايا تذكارية عربون محبة وتقدير.

