تأمَّلوا جيِّداً وتمعَّنوا!
السبت، ٢٥ أيار، ٢٠١٩
النهار - الياس الديري
الرئيس نجيب ميقاتي لم يبقّ كل البحصة. اكتفى بالإيماء إلى بيت الداء عبر دلالات وطنيَّة مسؤولة وصريحة. ولم يتردَّد في التزييح بالأحمر وعلامات التعجُّب والاستغراب، بالنسبة إلى بعض التصرُّفات المرفوضة: ما هكذا تورد الابل. لا، ولا هكذا يتكلّم مسؤول دخل حديثاً عرين المسؤوليّة في وطن الثماني عشرة طائفة.
والخطوط الدقيقة التي أشار إليها الرئيس ميقاتي بات التعارف عليها محسوماً، وخصوصاً بعدما كرَّسها اتفاق الطائف، وبموافقة جميع الأفرقاء رست الإصلاحات الدستوريّة الدقيقة في مواقعها، ومن دون أي تجاوز سابق...
أجل، جاء في وقته التحذير من التمادي في هذا الاستهتار، كما "التمادي في محاولة التعدّي على الصلاحيات الدستوريَّة، والإخلال بالتوازنات القائمة، والاستقواء بالتعطيل لتحقيق مكاسب وبطولات وهميّة".
كان من المهمّ والملحّ، وطنيّاً ولبنانيّاً وسياسيّاً، أن يبرز مرجع رصين كالرئيس ميقاتي ويضع النقاط فوق الأحرف، قبل أن يفلت الملقّ، ويفلت معه حبل
الأمن والاستقرار على غاربه.جميع المسؤولين والمعنيّين والمعتّقين في السياسة اللبنانيّة، إلى الصحافيّين والخبراء، لاحظوا باستغراب ودهشة هذا التجاوز المرفوض بالنسبة إلى المسؤوليات، والقيم، والتقاليد، والأعراف. لقد حصل ما هو غير مألوف وغير معتاد في نطاق المسؤوليّات السياسيّة وتصرّفات سياسيّين ومسؤولين.
كل الحق مع الرئيس ميقاتي الذي كشف هذه "اللعبة"، ودلّ كبار المسؤولين وكبار السياسيّين عليها. من الضروري، إذاً، أن يراجع مسؤول هذه الحقبة ويفنِّد أخطاءها. ولا بأس بإطلاق إشارة عبر الضرب على الطاولة، أو عبر الأثير، لإيقاف هذا الجنوح غير المألوف ديموقراطيّاً ولبنانيّاً حتّى في أسوأ الظروف.
وها قد فعل ميقاتي، بكلّ لباقته وكلّ ضروريّاتها. ولم يفته أن يوجِّه لفتة إلى المعنيّين بهذا الأمر، وهذا التصرَّف، وهذا التجاوز: لطالما كان رهان أهل السُنَّة في لبنان على مشروع الدولة، ولطالما ساهموا في تجنُّب البلد الفتن، ولطالما لعبوا دور الأطفائي في مراحل مُتعدّدة.
إلّا أن هذه "اللفتة" الموجّهة إلى المعنيّين مباشرة، شاء ميقاتي أن يكمل الجملة بمجمل أفعالها: حذار من استفزاز الشارع، أو دفعه للشعور بالغبن من خلال استهداف من هنا، أو تجاوز للصلاحيّات من هناك.
فهذا أمر في حال حصوله لن يكون، حقّاً وفعلاً، في مصلحة أحد. ودائماً وأبداً لا عودة من الطائف حيث الأسس في حماية لبنان.
هل تعني لفتة الرئيس ميقاتي شيئاً لـ"المتجاوزين" واللاعبين في حقول كلّها أشواك؟ كانت لفتة في محلّها، كونها أطلقت كل التنبيهات المناسبة والضروريّة قبل أن يفعل "الاختلال" أفعاله، ويسبق السيف العزل.
فتأمّلوا جيّداً وتمعَّنوا...

